|
|
العراق: قانون الحد الأدنى أم الانسداد |
|
|
|
|
تاريخ النشر
02/12/2009 06:00 AM
|
|
|
الخلاف الحاد حول قانون الانتخابات والانسداد الذي تكاد العملية السياسية تبلغه بفعل الاختلاف حوله يفرض اتخاذ موقف يمثل الحد الأدنى الذي يمكن للجميع فيه أن يقبلوا بقدر معقول من الخسارة والربح بعد أن غدا واضحا أن بنية النظام السياسي الحالي قد تشكلت على فرضية أن لا أحد يمكنه أن يحقق ربحا مطلقا على حساب الآخرين. وهنا لابد أن ندرك حقيقتين، الأولى هي أن الفشل في الاتفاق على مخرج لتشريع الانتخابات القادمة يعني إعلانا غير رسمي بتعطل النظام السياسي الذي تشكل بعد عام 2005 عن العمل، وبالتالي تعطل كل الآليات التي تم اعتمادها للسيطرة على الصراع السياسي والاجتماعي وكل المؤسسات التي تشكلت لإدارة هذا الصراع، وبالتالي تسليم البلاد إلى اللا متوقع الذي قد يأخذ أشكالا كالصراع المسلح بين مجموعات وقوى لم يعد ينتظمها إطار سياسي لتفريغ توتراتها وآليات لتحقيق المساومة بينها، وربما تقسيم فعلي للبلاد لأن كل منطقة جغرافية تخضع حاليا لنفوذ قوى سياسية واجتماعية معينة، أو في الأقل فتح الباب أمام مغامرات سياسية وعسكرية غير محسوبة في بلد ما زال يعاني مما سببته مغامرات الماضي من دمار وكوارث. أما الحقيقة الثانية فهي أن أي حل سيمكن التوصل إليه لن يكون حلا مثاليا، فالأوضاع غير المثالية لا تنتج حلولا مثالية والسياسة هي فن الممكن، وبالتالي فإن أي تشريع جديد لن يسلم من الطعن والتشويه والاتهام بعدم الإنصاف، إلا أن مخرجا يقبله الجميع على مضض أفضل من حالة الانسداد وغياب المخرج، وعلينا أن نتذكر هنا أن لا خريطة طريق واضحة تتبع الفشل في الوصول لهكذا مخرج، فالراعي الأميركي أفرغ ما في جعبته من حلول للوضع العراقي وهو ليس في مزاج لمزيد من الانهماك بتفاصيل المعضل العراقي وقد أرسل ما يكفي من الإشارات التي توحي بأن همه الرحيل السريع لا البقاء الطويل. وعندما يكاد يكون مستحيلا تشريع قانون جديد يحقق توافق الفرقاء ويضمن مواصلة سير العملية السياسية ولا يخلق فراغا دستوريا، فإن الحل ربما يكون بالعودة إلى القانون الانتخابي القديم الذي لم ينقض دستوريا بعد والذي يحقق الحد الأدنى لما يريده الفرقاء ولا يحمل ألغاما كتلك التي حملها القانون الجديد غير المقر. لقد كانت الفكرة الأساسية وراء تغيير القانون القديم هي الحاجة للقائمة المفتوحة بعد أن تصاعدت الشكوى الشعبية من رداءة نوعية الكثير من البرلمانيين وانقطاعهم التام عن الجمهور الذي انتخبهم بسبب استتارهم وراء قوائمهم البرلمانية المغلقة التي يصبح معها اسم القائمة هو جواز المرور وليس اسم المرشح، وعليه تم اعتماد فكرة القائمة المفتوحة كنوع من التشذيب الذي يبدو أنه سيخلق من المشكلات أكثر مما سيخلق من الحلول، فمع البدء في الإعداد للقوائم الجديدة بدا واضحا أن الأحزاب صارت تبحث عن المرشحين الذي سيحصدون أكبر عدد من الأصوات كأفراد، وفي مجتمع كالعراقي بدا أن شيوخ العشائر قادرون وحدهم على تحشيد الكم الكبير بفعل قوة الأواصر العشائرية في المناطق الريفية والمجتمعات التقليدية، وبالتالي فإن برلمان القائمة المفتوحة قد يؤدي إلى مزيد من التهميش للنخبة المثقفة والطبقة المتوسطة وتدخل الانقسامات العشائرية إليه لتزيده تفككا، كما أن الأعضاء سيشعرون بقدر كبير من الاستقلالية، لظنهم بأنهم وصلوا بجهدهم مما سيضعف ارتباطهم بكتلهم وهذا ما سيجعلنا في مواجهة مؤسسة برلمانية شديدة الانقسام وشديدة السيولة يصعب السيطرة على حراكها. والمشكلة الأخرى هي أن القانون الجديد فتح القائمة لإرضاء المزاج الشعبي دون أن يؤسس لنظام انتخابي يستوعب مفهوم التصويت الفردي، فتم الزج بحلول مفتعلة من شأنها تعقيد النظام أكثر، فسيسمح لكل قائمة أن تقدم عددا من المرشحين يمثل ضعف عدد المقاعد في المحافظة أي إن بعض القوائم ستقدم لبغداد وحدها ما يعادل 136، وسيكون على الناخب الأمي أو صاحب التعليم البسيط (وهذا النوع من الناخبين يشكل نسبة كبيرة، إن لم يكن الأغلبية) أن يقرأ الأسماء على جدارية وأن يعرف رقم مرشحه وقائمة مرشحه وأن لا يخطئ في التصويت للشخص المناسب في القائمة المناسبة، وهذا نظام يبدو معقدا ومخالفا لبديهية أن أفضل نظم الاقتراع هي البسيطة التي لا تربك الناخب وتشوش على خياره، ولذلك فإن التمثيل النسبي عبر القائمة المفتوحة ليس من الأنظمة المرغوبة عالميا، وأن أفضل أنظمة التمثيل التي يتم في ضوئها اختيار المرشح هي أنظمة الانتخاب الفردي التي عادة ما يتم اللجوء إليها في الديمقراطيات الأكثر استقرارا والمجتمعات الأقل انقساما. اللغم الثاني الذي أنتجه القانون الجديد هو زيادة عدد الأعضاء التي تم تبريرها عبر القاعدة الدستورية القائلة بأن لكل 100 ألف من العراقيين نائب واحد، وبالتالي تم استحداث زيادة في عدد النواب لكنها في الحقيقة غير مبررة وكان من الأسلم تعديل القاعدة الدستورية على تمريرها، فأولا إن مجتمعا بمعدل عال من النمو السكاني كالمجتمع العراقي ليس بحاجة إلى زيادة دورية لنوابه لأن هذا يعني أن عدد أعضاء البرلمان سيصبح ربما 1000 عضو بعد عشرين عاما، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد أعضاء البرلمان الهندي 543 عضوا يمثلون أكثر من مليار ومائة ألف نسمة، كما أن زيادة الأعضاء علاوة على ما سببته من إرباك واعتراض واستنادها على معطيات إحصائية غير مؤكدة لن تؤدي بالضرورة إلى تحقيق تمثيل أفضل للناس بقدر ما ستؤدي إلى
|
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ د. جابر حبيب جابر
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|