|
|
موسم الهجرة إلى الوطنية |
|
|
|
|
تاريخ النشر
12/11/2009 06:00 AM
|
|
|
هكذا، ومن دون مقدمات، صار الجميع يتحدث عن ضرورة تشكيل كتل سياسية وطنية، وأنا استعمل الوطنية هنا توصيفا للتجمعات العابرة للولاءات الأولية Primordial Sentiments. وليس بوصفها حكم القيمة الذي يردده العراقيون منذ العام 1921، من دون أن تحيل على محتوى محدد. فجأة وفي خضم صراعهم على السلطة، وفي ظل استراتيجياتهم المعلنة وغير المعلنة في اعتماد الطائفية السياسية، وتسييس الهوية الاثنية أو المذهبية. مع كل ما نجم عن ذلك من حضور الطائفة وسيطا بين المواطن والدولة )لنتذكر صكوك الغفران التي وزعتها الأحزاب الرئيسية المشاركة في مجلس الحكم للتعيين في الدولة، أو اعتماد العلاقة الحزبية/الطائفية شرطا للحصول على المناصب العليا في الدولة(، انتبه الجميع إلى أنه قد نسي وطنيته، فعاد إليها. ولكن المنطق الطائفي بقى مع ذلك حاضرا في كل هذا الحديث الصاخب عن تشكيل الكتل الوطنية، بمعنى آخر ما يجري حقيقة محض محاولة لتأطير الطائفية وليس تجاوزها. فالجماعات السياسية الرئيسة، والتي أثبتت حضورها في الانتخابات المحلية الأخيرة، قد بنيت بالأساس على الطائفية بوصفها مقولة سياسية )حزب الدعوة، المجلس الإسلامي الأعلى، التيار الصدري(، وإذا كان )الحزب الإسلامي( لم يفكر في لحظة التأسيس بهذه المسألة بسبب من طبيعة الدولة السنية في العراق، فانه اعتمد هذه المقولة بعد نيسان 2003 بشكل عملي. وقد وقعت الجماعات السياسية غير الدينية الأخرى في المأزق ذاته، فوجدنا بعضها ينسف تاريخه الوطني العابر للولاءات الأولية بقبول الدخول في مجلس الحكم تحت عنوان طائفي محدد )حميد مجيد موسى/الحزب الشيوعي العراقي بوصفه شيعيا، نصير الجادرجي وريث الحزب الوطني الديمقراطي بوصفه سنيا(، والبعض الآخر ذو التاريخ الليبرالي المفترض قبل نيسان 2003 ينحى المنحى نفسه ليقبل بالمنطق ذاته )أياد علاوي/حركة الوفاق، أحمد الجلبي/ المؤتمر العراقي(. وكان تأسيس الأخير للبيت الشيعي تعبيرا رمزيا عن هذا المأزق. أما بالنسبة للجماعات التي تأسست في الداخل بعد 2003 ، فقد اعتمدت بالكامل تقريبا على المقولة الطائفية في بنيتها. على المستوى الإجرائي يبدو الأمر أكثر تعقيدا، فبسبب من طبيعة التوزيع الديمغرافي للمكونات العراقية الرئيسة، خاصة بعد الفصل الطائفي عقب حادثة سامراء، وباستثناء بغداد، لا يمكن التفكير بقوائم وطنية. أي إمكانية وجود مرشحين شيعة في الأنبار، أو مرشحين سنة في النجف. ولا يمكن هنا الاحتجاج بما جرى في الانتخابات المحلية الأخيرة بحصول الحزب الإسلامي في البصرة على مقعدين في مجلس المحافظة مثلا، فمجموع الأصوات التي صوتت للحزب هناك )24813 صوتا (، لا يمكن بأي حال أن تتيح له الحصول على مقعد واحد في انتخابات مجلس النواب، وكذا الأمر في صلاح الدين، فقائمة ائتلاف دولة القانون حصل على مقعدين بمجموع )14422 صوتا( فقط. أما في ديالى، وتبعا للنتائج نفسها، فان مجموع الأصوات الشيعية التي توزعت على القوائم الثلاثة الفائزة )ائتلاف دولة القانون وائتلاف ديالى الوطني وتيار الإصلاح/ الجعفري(، لم تتجاوز )72605 صوتا(؛ وهذا يعني صعوبة حصولها على مقعد )يجب االتنبه على أننا لا نربط مطلقا بين هذا الرقم والحجم الديمغرافي للشيعة في ديالى(، ذلك أن الحد الأدنى للأصوات للحصول على مقعد في مجلس النواب هو 100000 صوت، طبعا من دون الدخول في حسابات التمثيل النسبي. هل نحن، إذا، بصدد تشكيل كتل عابرة لأغراض ما بعد الانتخابات، )تشكيل الحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب(، بخاصة في ظل الحديث عن اعتماد الاستحقاق الانتخابي. وهذا يعني، ضرورة توسيع الكتل من اجل إظهار المشاركة السياسية ولو شكليا. والسؤال ههنا هل سيتم توزيع المناصب على أساس حجم الشريك، أم على أساس النسبة الديمغرافية. بمعنى آخر لو افترضنا دخول جماعة سنية في ائتلاف مع المالكي، ثم فوزه، فهل ستقبل هذا الجماعة أن تحصل على ما يعادل حجمها الانتخابي أم على ما يعادل الحجم الديمغرافي للسنة عموما؟ على الأرض نحن أمام أخبار متضاربة حول نتائج الحوار المستمر بشأن تشكيل التحالفات، ولكن الثابت فيها أننا بصدد نقاش حول النسب الخاصة بكل كيان، فالمالكي يفاوض الائتلاف على النسب وتوزيعها، وفي الوقت نفسه هناك أخبار عن حوار بينه وبين بعض الأطراف السنية بشأن النسب في أي تحالف مستقبلي. فهل يمكن هنا الحديث فعلا عن نضوج رؤية ووعي بضرورة التحالفات الوطنية، أم نحن بصدد تكتيكات مرحلية لأغراض انتخابية؟ وعلى الأرض أيضا، نحن يوميا بإزاء نزاعات سياسية/طائفية بشأن العديد من القضايا الخلافية، بداية من التعديلات الدستورية، مرورا بالمصالحة الوطنية، وانتهاء بالتصويت على السفراء الجدد الذين تم اختيارهم على أساس المحاصصة. فهل ثمة رؤية إشراقية مغايرة نأمل معها بانتهاء الصراع مع اليوم الأول لتشكيل التحالف الوطني الوليد؟ وبعيدا عن المعضلة التي تفرض نفسها ههنا وهي: كيف يمكن لأحزاب وحركات سياسية تعتمد في آيديولوجياتها مقدمات مذهبية محددة، أن تشكل تكوينات وطنية ؟ على الرغم من أن الحديث يدور حول ائتلافات انتخابية بحتة. هل يمكن وصف هكذا ائتلافات بأنها وطنية، بمعنى، هل يمكن للمعادلة: طائفي + طائفي= وطني أن تكون صحيحة؟ وبعيدا عن لجة هذا الصخب، نسأل السؤال البديهي المغيب: هل ثمة رؤى مشتركة لأي تحالف وطني محتمل، خاصة في ظل منطق الصراع على السلطة والثروة الذي يحكم العراق اليوم؟ |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ د. يحيى الكبيسي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|