قبل أيام أعلن النائب اياد جمال الدين وهو رجل دين شيعي عن تأسيس تجمع سياسي ليبرالي اطلق عليه تسمية "احرار". وضم مجموعة من الشخصيات الليبرالية السنية والشيعية من بينها النائب السني ورئيس لجنة المصالحة الوطنية في البرلمان وثاب شاكر.
واختار التجمع شعار "العلمانية هي الحل" لحملته الانتخابية، الامر الذي قوبل باستهجان من قبل بعض رجال الدين، سيما أن الشعار المستخدم لاول مرة في الحملات الانتخابية بعد 2003 صادر عن رجل دين معمّم ينتسب إلى بيت النبي الكريم، وأن الشعار يناقض الشعار التقليدي الذي نادت به الاحزاب الاسلامية في العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين "الاسلام هو الحل".
اما جمال الدين الذي لم يتخلى عن ارتداء العمامة حتى بعد اعلان التجمع، فتوجهاته الليبرالية السابقة لاعلان التجمع لم تكن خافية عن المراقبين السياسيين.
وفي تصريحات سابقة له، أعرب جمال الدين أكثر من مرة عن معارضته للمادة الرابعة من الدستور التي تنص على أن الدين الإسلامي مصدر أساسي التشريع، ويرى جمال الدين أن "استخدام الإسلام كجزء من مصادر التشريع هو تمزيق في حقيقته للدين وللتشريع" وأضاف أن "ذلك يعني أن تأخذ نتفة من الشرع الإسلامي وتأخذ نتفة من القانون الفرنسي وتمزج بينهما لتقدم خليطاً بائساً للناس".
ودعا جمال الدين الذي يصفه البعض بـ "المفكّر الإسلامي" في كتاباته إلى تطبيق النظام العلماني "القائم على مبدأ احترام حقوق الإنسان" مضيفا أن "الإنسان ممكن أن يكون مرجعاً دينياً ويمكن أن يكون مغنياً خلاعياً، وهذا إنسان وهذا إنسان والنظام العلماني يحافظ على حرية الجميع".
ولجمال الدين تصريحات إشكالية أثارت قلقا واستياءا لدى النخبة الدينية المسيطرة على مفاصل الحياة السياسية في العراق، سيما تصريح القاه سنة 2003 دعا فيه إلى إبقاء "البارات" ومحلات بيع الخمور بالرغم من تحريم الدين الإسلامي لها، قائلا أنه يلتزم شخصيا بعدم شرب الخمور كونها "معصية" لكنه لم ولن يفرض ذلك على الآخرين.
ولا يشعر الرجل المعمم باي تناقض بين طروحاته الليبرالية وبين الدين الاسلامي ويقول لموقع "نقاش" انه مؤمن ان "الدين شيئ مقدس ومن المعيب ان يستخدم رجل الدين دينه للوصول الى مبتغاه السياسي، فاذا اراد ان يخوض في غمار السياسة فليبعد الدين عن مساوماته".
ويؤكد جمال الدين ان "الحفاظ على الدين يكمن في فصله عن السياسة، لان استخدام الدين في السياسة سيؤول الى تشويه صورته بشكل كبير ويدفع الناس الى الابتعاد عنه لاحقا".
وقد اختار جمال الدين في الانتخابات الماضية الترشيح في قائمة رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي صاحب اكبر كتلة ليبرالية في البرلمان العراقي، رغم أن كتلة الائتلاف الشيعي كانت من اكبر الكتل التي ضمت نوّابا من رجال الدين المعممين. وقبل اكثر من عام غادر جمال الدين الكتلة العراقية (أياد علاوي) وعمل كنائب مستقل في البرلمان احتجاجا على استفراد علاوي باتخاذ القرارات.
ورغم التوقعات التي دارت حول احتمال انضمامه الى ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي ويضم مجموعة من التيارات الليبرالية وغالبية الشخصيات المنسحبة من الكتلة العراقية امثال مهدي الحافظ وصفية السهيل وحاجم الحسني وغيرهم، الا ان النائب صاحب الهيئة الدينية اتخذ مسارا آخر وخطط لاعلان ثاني اكبر تجمع ليبرالي في العراق بعد تجمع الكتلة الوطنية الذي يتزعمه علاوي.
ويقول جمال الدين الذي تعود جذوره الى مدينة الناصرية جنوب العراق وقضى سنين طويلة يعمل خطيبا لجامع الامام علي في امارة دبي لـ"نقاش" انه يتوقع الحصول على عدد لابأس به من الأصوات في بعض مدن الجنوب "التي بدأت تميل الى التيارات الليبرالية وتنتقد التيارات الاسلامية بسبب عدم التزامها بتنفيذ برامجها الانتخابية، وفشلها في تحقيق الامن في البلاد".
ومزج التجمع الجديد بين فكري جمال الدين والنائب السني وثاب شاكر، اذ حدد ثلاث قواعد اساسية للبرنامج الانتخابي، تبدأ القاعدة الاولى بالمصالحة بين جميع مكونات الشعب العراقي من المؤيدين والمعارضين للعملية السياسية ،ثم تنطلق القاعدة الثانية بعد انجاح المصالحة بتحقيق الامن باعتبار المصالحة تمثل مفتاح الامن في البلاد ،اما القاعدة الثالثة فتتمثل بالانطلاق نحو الاعمار وهي الخطوة الثالثة التي تكمل البرنامج.
كما اشترط عدم التحالف مع من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين او المتهمين في قضايا الفساد، وتعهد بتوفير مليون فرصة عمل للمواطنين، فضلا عن توفير الخدمات وهي النقطة التي ضمنتها جميع التحالفات والائتلافات الانتخابية في برامجها السياسية.
وبالرغم من طروحات جمال الدين الاشكالية إلا انه ينفي وجود مشكلات بينه وبين المرجعية الدينية بزعامة السيد السيستاني في النجف، ويؤكد جمال الدين على انه يحتفظ بعلاقة "متوازنة" مع المرجعية الشيعية، فهو يحترم آرائها وتوجهاتها "الهادفة الى دفع العملة السياسية الى الامام" على حد قوله.
ورغم امتناعه عن الاجابة على السؤال حول رأيه بنظرية ولاية الفقية الا ان مقربين منه اكدوا ان "جمال الدين لايؤمن بولاية الفقيه ويطالب على الدوام بابعاد الدين عن الصراعات السياسية".
احد رجال الدين الشيعة المقربين من المجلس الأعلى الإسلامي العراقي اعتبر خطوة جمال الدين في تأسيس تيار علماني امرا مستهجنا سيما وانه يرتدي الزي الاسلامي، وقال لـ"نقاش" ان مافعله جمال الدين "امر يسيئ الى الدين وعليه ان يخلع العمامة طالما اجهر بالمناداة بالعلمانية التي تتعارض مع الدين الاسلامي".
رجل الدين الذي طلب عدم ذكر اسمه قال ايضا ان "جمال الدين اراد ركوب الموجة للحصول على اصوات الناخبين".
لكن رئيس لجنة المصالحة الوطنية في البرلمان العراقي وثاب شاكر الذي تحالف مع النائب اياد جمال الدين في تجمع "احرار" قال ان جمال الدين "كان اكثر مرونة في التعامل مع القضايا الوطنية من غيره من رجال الدين". واكد لـ"نقاش" ان "جمال الدين بعيد عن التعصب الديني المذهبي ويحمل افكارا ليبرالية على الرغم من لباسه الديني، وهو الامر الذي شجعنا على التحالف معه".
ورغم ان دخول رجال الدين في العملية السياسية في العراق ليس بالامر الجديد، اذ يوجد العشرات من المعممين في البرلمان العراقي، خلع كثيرون منهم العمامة وارتدوا الملابس العصرية بعد نيلهم حقائب وزارية من بينهم اسعد الهاشمي احد شيوخ الجوامع في الكرخ الذي خلع عمامته بعد حصوله على منصب وزير الثقافة قبل ان يغادر العراق اثر اتهامه بالضلوع في مقتل ابناء النائب مثال الالوسي، الا ان المناداة العلنية باعتماد العلمانية كحل للوضع العراقي لم تصدر عن احد منهم، فكان جمال الدين هو السباق في هذا المجال.
ويصف المحلل السياسي واستاذ مادة السياسة في جامعة بغداد امجد حامد خطوة جمال الدين بـ"الجريئة" وقال لـ"نقاش" ان "جمال الدين كان اكثر شجاعة من غيره من المعممين الذين اتخذوا الدين غطاءا للوصول الى البرلمان في الوقت الذي يمارسون فيه امورا تتناقض مع توجهاتهم الدينية المعلنة".
ويؤكد ان "فقدان الثقة في الاحزاب والكتل ذات التوجهات الدينية في الشارع العراقي دفع رئيس الوزراء ذاته الذي ينحدر من جذور دينية ويقود حزبا اسلاميا الى الابتعاد عن الغطاء الديني والتحالف مع الاحزاب الليبرالية، فلماذا يلوم بعضهم جمال الدين؟".
ويبقى الحكم على مدى نجاح او فشل تجربة النائب اياد جمال الدين كرجل دين يقود حركة ليبرالية مرهوناً بصناديق الاقتراع التي لا تخلو من مفاجآت ناتجة عن تغيير واضح في مزاج الناخب العراقي كردة فعل طبيعية على نتاجات العملية السياسية وافرازاتها في السنوات الماضية.
( عن نقاش ) |