|
|
ميسلون هادي تروي الحب في زمن الاحتلال |
|
|
|
|
تاريخ النشر
09/11/2009 06:00 AM
|
|
|
«حلم وردي فاتح اللون» للكاتبة العراقية ميسلون هادي هو عنوان الرواية السادسة للكاتبة العراقية ميسلون هادي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر). غير أن هذا الحلم يطلع من واقع قاسٍ تتعدّد مظاهره في المتن الروائي لتقول الكاتبة بالعنوان والأحداث وعلى ألسنة الشخصيات التي ترزح تحت وطأة الواقع ان إرادة الحياة هي الأقوى. تصطنع ميسلون هادي لروايتها مساراً دائرياً، فتبدأ نصّها من حيث تنتهي الأحداث أو من نقطة قريبة من تلك النهاية. وهذه البداية – النهاية تشكّل لحظة روائية جميلة تتمثّل في انتظار الراوية البطلة عودة البطل من السجن، وهذه اللحظة تندرج في حقل الوقائع المعيشة بينما يندرج المسار الروائي الممتد بين البداية والنهاية بما يعكسه من قساوة الواقع وتعدّد تمظهراته القاتمة في حقل الذكريات المستعادة ما يجعل الخطاب الروائي ينطوي على رسالة ايجابية تقول بحتميّة تحوّل الواقع القاسي الى ذكريات وبحتميّة تحقّق الحلم الوردي وتحوّله الى واقع مُعاش. ترصد هادي في روايتها تطوّر العلاقة وتكوّن الحلم بين فادية الأستاذة الجامعية التي أسندت اليها فعل الرواية وياسر الطالب الموسيقي المطارد من المحتلّين؛ فالأحداث الروائية بوقائعها المعاشة وذكرياتها المستعادة تمتد على مدى ثلاث سنوات هي سنوات الاحتلال الأميركي الأولى للعراق حيث يتحوّل الموقت الى دائم، وتسود حالة من القلق والخوف وعدم الاستقرار، وينتشر الموت المجاني في كل مكان، ويغدو المستقبل مسألة غير مؤكدة. ومع هذا تبقى ثمة امكانية للحلم. في بيت موقت تقيم فيه الراوية لأجل موقت مستعيدة مشاهد من ماضيها وسفرها الى الجبل الأخضر وتشتّت أفراد أسرتها بسبب الحرب تجمع الصدفة الروائية بين فادية وياسر وأمه الهاربين من مطاردة قوات الاحتلال الابن بتهمة ملفّقة. ثم يترتّب على تلك الصدفة علاقات سببيّة تتطوّر من حالة القسر والإكراه بفعل الضرورة الى التفهّم والقبول تحت وطأة الخطر المشترك الداهم الى التعاطف، فالإعجاب المتبادل بين فادية وياسر، فالحب. غير أنه في اللحظة التي تبلغ فيها العلاقة هذه الذروة يكون الافتراق، فتخرج فادية من البيت لتقيم عند الجارة ختام، ويُلقى القبض على ياسر ويُزجّ به في السجن. وهكذا، ينمو الحب في بيئة غير مؤاتية، ويطلع الحلم من واقع قاتم. الواقع القاتم الذي ينوء بكلكله على شخصيات الرواية لم يستطع أن يجرّد هذه الشخصيات القلقة، غير المستقرة من رغبتها في الانتظار، وقدرتها على اجتراح بدايات جديدة، وإرادتها في الاستمرار. فختام الجارة الغريبة الأطوار التي تكتنز ذاكرتها بذكريات جميلة عن الستينات والسبعينات العراقية من القرن الماضي، على مستوى الزمان والمكان وبعض الحكام، والتي تقوم برمي تذكاراتها في الشارع أو حرقها بما فيها من صور، وخرائط، وتذاكر سفر، وبطاقات سينما، وصور مستبدين، وأشرطة، وطوابع بريد، في خطوة احتجاجية على الحاضر المثقل بالاحتلال تعكس غرابة أطوارها واضطرابها النفسي، لا تلبث أن تعلل فعلها في نهاية الرواية برغبتها في البدء من جديد. أما ياسر المتصالح مع الغرب، المتفهم قيمه ومعاييره حين كان يدرس الموسيقى في بوسطن ويمارس معتقداته بحرية، مؤلّفاً في شخصيته يبن وجوهه المتعددة، هو نفسه يصطدم بهذا الغرب حين يتحوّل الى محتلّ لوطنه، فهو الذي آثر العودة الى الوطن على اللجوء واكتساب الجنسية، وهو الذي اختصر رسالته الأخيرة من السجن بجملة: أريد أن أرجع الى البيت. ولعل فادية الراوية، هي الوحيدة التي راحت تنتظر لمّ شمل أسرتها التي بعثرتها الحرب، وتنتظر خروج ياسر من السجن، وهي التي تجرّأت على الحلم في واقع قاتم، وهو حلم ترهص نهاية النص بإمكان تحقيقه. وإذا كانت كل من شخصيات الرواية تحمل في داخلها تجربتها المرّة أو هي محاصرة بالوقائع القاسية، فإنها عرفت كيف تتحرر من أثقالها الداخلية أو الخارجية بالرمي والحرق والصبر والانتظار، ولم تفقد الرغبة في البداية الجديدة (ختام)، أو القدرة على الحلم (فادية)، أو إرادة الاستمرار والعودة الى البيت (ياسر). وعلى رغم خضوع هذه الشخصيات لأقدار تسيّرها، فإنها حين أتيح لها أن تختار اختارت المواجهة على أنواعها، ودفعت الثمن بطيبة خاطر، فختام رفضت مغادرة العراق مضحية بعلاقة الحب التي ربطتها بابن عمها، وياسر رفض اللجوء الانساني والجنسية وعاد الى الوطن المحتل ليدفع الثمن مطاردة واعتقالاً. أما فادية فتركت الجبل الأخضر، وعادت الى بغداد لتدفع الثمن وحدة وخوفاً وانتظاراً. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ سلمان زين الدين
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|