بالتزامن مع تطبيق الخطة الأمنية بين العراق والولايات المتحدة تثار أسئلة جديّة حول مدى جاهزية القوات المسلّحة العراقية لتسلّم الملف الامني في البلاد في ظل حاجة الجيش إلى الاسلحة الثقيلة والأسلحة الجوية.
وقالت مصادر عراقية مطلعة أن تحركات الحكومة بدأت من الآن لتوفير السلاح الثقيل وأن رئيس الوزراء نوري المالكي خلال زيارته الحالية لواشنطن "يبحث مع القادة الامريكيين في تجهيز العراق بالمعدات والاسلحة الثقيلة".
وأكدت المصادر على أن البحث مع الأمريكيين يتضمن "صفقات لشراء مدرعات ودبابات روسية الصنع وطائرات سمتية فرنسية وروسية وزوارق خدمة حربية ايطالية، فضلا عن سربين من طائرات اف 16 وسرب من طائرات اف 18 وكل تلك العقود ستجري بعد موافقة الطرف الأمريكي".
وزار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واشنطن في العشرين من شهر اكتوبر2009 لحضور مؤتمرا موسعا لجذب الاستثمارات الاقتصادية التقي على هامشه الرئيس الامريكي باراك اوباما وعدد من اركان ادارته.
من جهته، أكّد النائب عباس البياتي العضو البارز في قائمة المالكي "ائتلاف دولة القانون" على أن "العراق سوف يستكمل تجهيز قواته منتصف عام 2010"، وذلك قبل الانسحاب الكامل للقوات الامريكية نهاية ذات العام.
وقال البياتي وهو عضو في لجنة الدفاع والأمن البرلمانية ان "العراق سوف يستكمل استيراداته للسلاح من مناشيء عسكرية مختلفة، الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وصربيا، منتصف عام 2010، ويستكمل جاهزية قواته للدفاع عن حدود البلد وضبط الاوضاع الداخلية ضد أي نوع من العمليات المسلحة".
لكن البرلماني نفى أن تكون زيارة المالكي لواشنطن قد تضمنت عقد أية مشاورات لتسليح الجيش العراقي. وقال لمراسل "نقاش" في هذا الصدد ان "شراء الاسلحة من مهمات وزارة الدفاع وليس لرئاسة الوزراء أي تدخل مباشر في موضوعها".
وتعليقا على كلام النائب عادت المصادر وأكدت أن "رئيس الوزراء يحتل منصب القائد العام للجيش والقوات المسلّحة وفق الدستور العراقي وهو مخول بمناقشة احتياجات الجيش".
وأوضحت المصادر أن مشتريات الحكومة العراقية من السلاح منوطة بوكالة متخصصة بالمشتريات العسكرية تعمل تحت إشراف أميركي. وأن وزارتي الدفاع والداخلية "يقتصرهما فقط على تقديم قائمة بحاجتهما من الاسلحة والمعدات والتجهيزات الى الهيئة المذكورة، وينتظرا الموافقة التي تأتي من واشنطن".
وتشير قائمة المشتريات الأخيرة التي قدمتها وزارة الدفاع العراقية إلى أن الجيش العراقي يسعى من خلال هيئة "أف أم أس" للحصول على 360 مدرعة روسية من طراز "بي إم بي1" تعود إلى حقبة السبعينيات، و35 مدرعة من طراز "كاسكافيل" برازيلية الصنع، كما يجري التخطيط لتزويده بـ61 ناقلة من طراز "أم تي إل بي" روسية الصنع، و434 ناقلة روسية من طراز "بي تي إر 80"، و 600 عربة مصفحة بولندية طراز "دي زيك 60"، و440 عربة مصفحة طراز "بانجر" أميركية الصنع.
وتعني هذه المعطيات أن الجيش العراقي، الذي كان يمتلك قبل الغزو 3300 مدرعة، سيمتلك ما مجموعه أكثر بقليل من 1955 مدرّعة منها فقط بعد الانسحاب العسكري الامريكي الكامل من العراق نهاية عام 2010.
وتعليقا على المعلومات المتوفرة، يرى خبراء عسكريون عراقيون ان عدد القوات العراقية (300 ألف عنصر) لن يكون متناسبا مع عديد تجهيزاتها.
وقال الخبير العسكري العميد المتقاعد لطيف محمد العاني لـ " نقاش" أن تسليح الجيش العراقي الحالي "اشبه ما يكون بتسليح المليشيات، ويعتمد بالدرجة الأولى على الأسلحة الخفيفة".
واضاف العاني أن "الأسلحة العراقية الثقيلة التي بقيت بعد الغزو تم تفكيكها من قبل القوات الأمريكية وبيعت كسكراب مع ان قسم منها كان سالما، لا سيما الدبابات والمدرعات التابعة للفيلق الخامس والأول والثاني في الرمادي وديالى والموصل وصلاح الدين، التي تسلمتها القوات الأمريكية بعد سقوط بغداد، ومنها فرقة مدرعة للحرس الجمهوي مسلحة بدبابات "تي 72" المتطورة".
ويبقى اللافت للنظر في خطة تسليح الجيش العراقي، حسب محللين عسكريين، غياب سلاحي المدفعية والصواريخ، فلا تشير قائمة المشتريات إلى نية الحصول على أنظمة للدفاع الجوي من مدافع وصواريخ مضادة للطائرات، بعدما كان الجيش العراقي يمتلك 1500 بطّارية مدفعية ميدان ثقيلة من مختلف العيارات، بالإضافة إلى 250 راجمة صواريخ، وآلاف الصواريخ الموجهة المضادة للمدرعات والسفن، ولم يبقَ له سوى 1133 مدفع هاون.
أمّا بناء قوة جوية مقاتلة فإنّه "سيستغرق سنوات"، حسبما صرّح به قائد القوات الجوية في القوات المتعدّدة الجنسيات روبرت ألارديس الذي أشار إلى أن القوة الجوية العراقية "تضم حالياً نحو 1200 رجل، ونحو 50 طائرة متخصصة بالنقل والاستطلاع غير المسلح" فيما كانت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي سادس أكبر قوة جوية في العالم، مع امتلاكها أكثر من ألف طائرة.
وبحوزة القوة الجوية العراقية حالياً 11 طائرة من نوع "سي ـ 130 اي"، ثمانٍ منها تستخدم للتدريب، وثلاث طائرات من نوع "سيسنا" مجهزة بتقنية المراقبة الليلية، إضافة إلى 16 طائرة جديدة من نوع "هيوي 2" ومروحيات تسلّمتها من الولايات المتحدة، ومتوقّع أن تتسلم بغداد 20 طائرة قريباً وطائرات مروحية روسية.
وواجهت عملية تسلح الجيش العراقي بالأسلحة الثقيلة والجوية خلال السنوات الست الماضية اعتراضات محلية من جانب الأكراد وأخرى اقليمية من دول الجوار.
وطالبت حكومة اقليم كردستان بشكل متكرر ان تكون لها "رقابة" على مشتريات الاسلحة. ويعزو الأكراد حسب تصريحات سابقة لمعاون وزير البشمركة (حرس الأقليم) جبار الياور رفضهم تسليح الجيش إلى "فداحة ما عانى منه الشعب العراقي كافة على يد الجيش في الماضي".
لكن جبار الياور عاد وصرّح مؤخرا أن الجانب الكردي "لم يطالب بأي ضمانات أو ضوابط على شراء الأسلحة الثقيلة". وهو ما يعتبره المراقبون تغيرا ملموسا في الموقف الكردي، بعد أن اطمأن الاكراد إلى مشاركتهم الفاعلة في البرلمان والحكومة.
وانطلاقا من المخاوف من "تكرار الماضي" برزت أيضا اعتراضات كويتية على تسليح الجيش بالاسلحة الثقيلة، حيث وجدت الكويت في ذلك ما يهدد امنها الوطني، وقال الشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء الكويتي في أيلول/سبتمبر من العام الماضي أن بلاده أبلغت الولايات المتحدة بمخاوفها "من اختلال في موازين القوى في المنطقة" نتيجة إبرام واشنطن صفقات اسلحة مع بغداد.
لكن البياتي، وبصفته عضوا في لجنة الامن والدفاع البرلمانية قال لـ "نقاش" أن "ليس هناك اية اعتراضات لحد الآن داخلية او خارجية على خطة اعادة تسليح الجيش العراقي الجديد كونه يهتم بالدفاع عن حدوده الخارجية لا غير". مشيرا إلى أن القوات العراقية ستكون مستعدة جيدا ليوم الانسحاب الأمريكي الكامل نهاية العام القادم.
عن " نقاش " |