عن "نقاش" : في الوقت الذي غرقت فيه مدن تركيا بالفيضانات والامطار في هذا العام، واجه العراق تراجعا حادا وغير مسبوق في منسوب نهري دجلة والفرات.
ووفق تصريحات مسؤولين عراقيين، أدى تراجع هطول الامطار بنسبة اربعين في المئة بالاضافة إلى "السياسات التركية" وانشاء المزيد من السدود التركية على نهري الفرات ودجلة إلى تدني منسوب تدفق النهرين إلى حوالي النصف.
ووصف النائب كريم اليعقوبي عضو لجنة المياه في البرلمان الوضع المائي حاليا بأنه "كارثي"، وتوقّع أن "يواجه العراق كارثة مائية اذا لم تحل هذه المسألة قريبا مع دول الجوار".
أما وزير الموارد المائية عبد اللطيف رشيد فأكد ان "العراق يعاني من مشكلة المياه منذ اكثرمن ثلاث سنوات وليس من اليوم".
ويرى رشيد ان مشكلة المياه تقع تحت مسببين رئيسين "أولهما أن العراق وعلى مدى عقود من السنوات، كان معزولا عن دول الجوار التي عملت من خلال خططها التشغيلية على حرمان العراق من حصته المائية، والثاني مرتبط بالمناخ والطبيعة والانحباس الحراري الذي يعيشه البلد".
وأضاف الوزير العراقي لموقع "نقاش" "العراق شهد في العام الماضي نقص في كمية مياه الامطار والثلوج بلغ ثلث المعدل اما هذا العام فقد اصبح معدّل النقص 50 بالمئة". واستدرك قائلا أن "العامل الرئيسي يبقى تصرفات دول الجوار، والخطة التشغيلية المائية لكل من تركيا وسوريا وايران".
من جهته، ما زال مجلس النواب العراقي متمسكا بموقفه المعارض لتوقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية مع تركيا قبل حل مشكلة تقاسم المياه. وكان البرلمان قد أعاد نص الاتفاق الى رئاسة الوزراء، مطالبا الحكومة بتضمينه فقرة تضمن حصول العراق على حصة كافية من المياه قبل ارساله الى البرلمان للتصويت عليه، الامر الذي يستلزم اعادة بحث القضية مع الجانب التركي.
وجاء قرار البرلمان مطابقا لقانون "حصة العراق المائية من نهري دجلة والفرات"، وهو قانون سبق وأن أقره البرلمان في أيار/مايو الماضي بالأغلبية المطلقة يلزم الحكومة العراقية بتضمين جميع اتفاقيات الشراكة التي تبرمها مع دول الجوار فقرة تنص على "ضمان حصة العراق المائية من تلك الدولة".
ويؤكد النائب كريم اليعقوبي عضو لجنة المياه في البرلمان العراقي لـ"نقاش" ان هذا القرار "يشمل جميع الدول المجاورة للعراق التي تشترك معه بالمياه وليس فقط تركيا، فاي اتفاقيات شراكة شاملة بين هذه الدول (تركيا، سوريا، وإيران) يجب ان تتضمن بندا يؤمن حصة العراق المائية وبخلافه فان مجلس النواب لن يصوت على هذه الاتفاقيات."
ويؤيد وزير الموارد المائية هذا القرار موضحا أن "المياه العذبة كانت تنساب من الجبال في تركيا عبر سوريا ومن جبال ايران دون حواجز او سدود منذ الازل حتى بدايات سبعينيات القرن الماضي، حين قامت تلك الدول بانشاء السدود التخزينية والمشاريع الاروائية، ومازالت مستمرة في انشاء مزيد منها دون الالتفات الى ما يحصل من نقص في الواردات المائية المنسابة الى العراق، لذا فإن الموضوع يحتاج إلى معالجة فورية".
ويعتمد العراق على نهر دجلة لتامين 60 بالمئة من حاجته الاساسية للمياه والباقي من نهر الفرات ومصادر مائية اخرى.
ويشير رشيد إلى ان "سد اتاتورك لوحده يستخدم ثلث مياه نهر الفرات مع انشاء سدود في المناطق الزراعية التركية لمشاريع جنوب غرب الاناضول (غاب) فضلا عن قيام سوريا بانشاء مشاريع للسدود وخزانات المياه على حوض الفرات واقدام ايران على تحويل معظم الروافد التي تصب في نهر دجلة لتطوير زراعتها مثل نهر القارون والوند وكليمان في بدرة وجصان ونهر الكنكير الذي يصب في هور الشويجة في محافظة واسط".
وتشير تقارير حكومية الى ان واردات نهر الفرات الحالية بلغت نسبة 42 بالمئة من المعدل العام في حين بلغت واردات دجلة 55 بالمئة من المعدل العام وذلك بعد اكمال سد "اتاتورك" في تركيا ضمن مشروع "غاب" التركي لتنمية الاناضول، الهادف لتشييد 22 سدا على حوضي دجلة والفرات.
ويقول برلمانيون عراقيون من لجنة المياه والأهوار ان عدم التزام ايران وتركيا وسوريا بالمعاهدات المبرمة "يهدد أمن العراق الغذائي ويعرضه لكارثة بيئية".
وصرّح نواب من بينهم النائب جمال البطيخ عضو لجنة المياه والاهوار أن "الاتفاقيات المائية المعقودة مع دول الجوار باتت قديمة، وأن هناك اتفاقيات أخرى قام النظام السابق بالغاءها ما يستعدي مراجعة كافة الاتفاقيات من جديد".
وكان آخر برتوكول موقع مع تركيا في هذا المجال عام 1980، وانضمت اليه سورية عام 1983، ونص على انشاء لجنة فنية مشتركة للمياه الاقليمية التركية السورية العراقية مهمتها دراسة الشؤون المتعلقة بالمياه الاقليمية، إلا التنسيق لم يكن بالشكل المطلوب، وما زال كل من العراق وسوريا يتهمان الجانب التركي بحجز المياه فيما يعارض الاخير زيادة منسوبها بذرائع مختلفة.
وعلى هامش اجتماع في أنقرة عقده مسؤولو الدول الثلاث في 3 سبتمبر/ أيلول الماضي، وناقشوا فيه قضية تقاسم الموارد المائية للنهرين قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي تانر يلديز، إن بلاده "تعترف بحاجات" سوريا والعراق إلى المياه، لكنها لا تملك الكثير منها ولا يمكنها زيادة المعدل الحالي كثيراً، معتبراً هذا "المعدل مناسباً جداً لكل منهما".
لكن تركيا عادت ووافقت على زيادة منسوب مياه الفرات إلى ما متوسطه 550 متر مكعب في الثانية، لكن بشكل مؤقت ولمدة شهر واحد فقط (لغاية 20 تشرين اول اوكتوبر 2009)، وذلك لمساعدة العراق في ازمة الجفاف التي يمر بها.
ويرى عضو لجنة المياه والاهوار في مجلس النواب جمال البطيخ أن "المشكلة تكمن في الجانب التركي الذي ينظر الى نهري دجلة والفرات على انهما انهار وطنية وانهما جزء من ثروته الوطنية ويحق له التصرف بمياهها كيفما يشاء ويرفض الاعتراف بهما كأنهار دولية".
ويقول البطيخ ان الحكومة العراقية ووزارة الموارد العراقية ولجنة المياه والاهوار في البرلمان العراقي قاموا بعرض الازمة على الجانب التركي خلال زيارة رئيس الحكومة ووزير الخارجية ووزير الموارد المائية التركي التي تمت خلال الاشهر الماضية، لكن "الأتراك وعدوا بدراسة الموضوع دون أن يفوا بوعودهم".
ويعتقد البطيخ ان "تركيا تسعى الى تسعير المياه ومقايضتها مع النفط العراقي مستقبلا او بيعها بالسعر الذي تحدده وهذا هو السبب وراء تمسكها بموقفها".
من جانب آخر، كانت آخر اتفاقية مائية عقدها العراق مع جارته سوريا في عام 1989، وفي وقتها اتفق الطرفان على تقاسم مياه نهر الفرات بعد الحدود التركية السورية بنسبة 58% للعراق و42% لسوريا.
لكن وكما هو الحال مع تركيا، يعتبر العراق أن سوريا لا تلتزم بتقاسم المياه وفق الاتفاقية. كما ابرم العراق اتفاقيات مماثلة مع ايران كان آخرها اتفاقية الجزائر عام 1975، والتي نصت على اجراء تخطيط شامل للحدود البرية والنهرية الملاحية في شط العرب، وتنظيم الاستفادة من الانهار المشتركة بين البلدين الا ان هذه الاتفاقية الغيت من الجانب العراقي عند اندلاع الحرب العراقية الايرانية عام 1980.
وقال عضو لجنة المياه والاهوار في مجلس النواب جمال البطيخ أن "حل مشكلة المياه يتوجب ان يبدأ بتشكيل مجلس اعلى للمياه يتولى السياسة المائية في البلاد ويقوم باعادة النظر في جميع الاتفاقيات الدولية المبرمة مع دول الجوار حول الحصص المائية او الاستعانة بالمنظمة الدولية لضمان تطبيقها، ويقدم الانذار المبكر للحكومة عن حالات الجفاف والتصحر وغيرها من الكوارث التي تسببها نقص المياه". وأضاف أن "البرلمان يرفض عقد اتفاقيات تجارية واقتصادية كبيرة مع دول الجوار دون ان تلتفت هذه الدول الى مسألة المياه بشكل جدي". |