|
|
النفط والدستور وأشياء أخرى… |
|
|
|
|
تاريخ النشر
17/09/2009 06:00 AM
|
|
|
شهد يوم الاثنين 1/6/2009 حدثا نفطيا مهما بقيام وزارة النفط في حكومة إقليم كردستان بضخ النفط من حقلي طقطق و طاوكي عبر انبوب النفط العراقي الذي ينقل النفط من كركوك الى ميناء جيهان التركي. وقد صرح السيد جلال الطالباني الذي حضر الاحتفال بأن "العقود النفطية التي عقدتها حكومة الاقليم هي لصالح الشعب العراقي عامة"، وأنها "عقود دستورية وقانونية"، والى ان هناك اتفاقا مع حكومة المالكي ينص على انه "إذا لم يتم في شهر مايس 2007 إصدار قانون النفط والغاز في البرلمان، فلحكومة إقليم كردستان الحق في توقيع عقود النفط والغاز مع الشركات وفق القانون والاصول". وإلى وجود محاولات لطمس وإنكار هذا الاتفاق الذي تم إقراره في مجلس الوزراء بالاجماع. بعد يومين صرح الدكتور حسين الشهرستاني وزير النفط بأن "كل العقود التي أبرمتها حكومة الاقليم مع الشركات، غير قانونية وغير دستورية لأنها لم يتم الاطلاع عليها من قبل الحكومة المركزية"، والى انه لا يوجد "أي اتفاق بين حكومة الاقليم ورئيس الوزراء حول شرعية ابرام العقود من قبل الاقليم". حدث ذلك كله أمام صمت جهتين أساسيتين في الموضوع: الجهة الأولى تتمثل في العضوين الآخرين في مجلس الرئاسة، إذ لم نعرف موقفهما من تصريحات السيد الطالباني، حيث تنص المادة 138/ أولا على: "يحل تعبير (مجلس الرئاسة) محل تعبير (رئيس الجمهورية) أينما ورد في الدستور" على مدى الدورة الأولى لمجلس النواب العراقي. وهذا يعني أن تصريحات الطالباني لن تكتسب شرعيتها بوصفها معبرة عن موقف مجلس الرئاسة إلا بعد موافقة العضوين الآخرين، ومن هنا فان التصريحات ما زالت تعبر عن موقفه الشخصي من المسألة ولا يمكن عدها بأي حال من الأحوال تعبيرا عن موقف المجلس ككل. الجهة الثانية، مجلس الوزراء والسيد رئيس الوزراء شخصيا، لقد اتخذت المواجهة منذ بدايتها شكل مواجهة شخصية بين السيد وزير النفط في الحكومة الاتحادية من جهة، والسيد وزير النفط في حكومة الاقليم، ومن خلفه مجلس وزارة الاقليم من جهة أخرى. إذ لم نقف على أي موقف صريح من مجلس الوزراء العراقي يدعم موقف الوزير الاتحادي، أو على الأقل يوضح موقفه من المسألة برمتها، كما لم نقف على أي موقف صريح من السيد رئيس الوزراء في هذه المسألة الحساسة. وإذا كان المجلس والسيد رئيس الوزراء قد تركوا السيد الشهرستاني وحيدا، فإن الوضع يتطلب موقفا صريحا، خاصة بعد التلميحات التي ظهرت على مدى السنتين الماضيتين عن وجود اتفاق غير معلن بين رئاسة الاقليم والسيد المالكي حول المسألة، وبعد التصريح المباشر الذي أدلى به السيد الطالباني حول وجود هكذا اتفاق؛ و مع ذلك فاننا نجد الرد ياتي على لسان السيد الشهرستاني، في ظل صمت مطبق من مجلس الوزراء والسيد المالكي شخصيا بوصفه المعني بهذه المسألة. يعكس هذا الوضع مسألتين أساسيتين: الأولى مشكلة الدستور العراقي التي تتمظهر في كل ازمة و مع كل صراع، ومشكلة إدارة الدولة في العراق. فمن حيث النص الدستوري تبدو المواد المتعلقة بصلاحيات الحكومة الاتحادية الحصرية والصلاحيات المشتركة، والصلاحيات الخاصة بالأقاليم، غير حاسمة بشكل واضح، اما المواد المتعلقة بمسألة النفط، فقد كانت وما زالت تبدو متاهة حقيقية، وهو موضوع سبق أن أشرنا إليه في كتاب "مراجعات في الدستور العراقي" الذي نشر في منتصف عام 2006، حيث نبهنا في حينها إلى أن النصوص الخاصة بالنفط، ستظل مفتوحة على تأويلات مختلفة، وستكون منتجة للخلافات والصراع، ليس بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية حسب، وإنما بين المحافظات غير المنتظمة باقليم وبين الحكومة الاتحادية (وربما مشكلة حقل عكاز في الأنبار وتوجهات مجلس المحافظة الحالي، ستكون مجالا خصبا للسجال في المرحلة القادمة). فالدستور العراقي الحالي وضع المواد الخاصة بالنفط، وهي المواد 111 و 112 بين (المادة 110) الخاصة بالسلطات الحصرية بالسلطات الاتحادية، و(المادة 114) الخاصة بالصلاحيات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقليم. أي كما يقول المعتزلة في منزلة ما بين المنزلتين، وهو أمر عكس في حينه إرادات وتوجهات ومصالح الجماعات السياسية التي كتبت الدستور والتي حرصت على الابقاء على غموض هذه المسألة الحساسة من أجل غايات لاحقة. خاصة وأن هذا الموضوع سيستكمل بنص (المادة 121/ثانيا)، التي تمنح "الأقاليم" سلطة تعديل القوانين الاتحادية. ولتوضيح هذه المسألة يمكن الرجوع الى تأويل معنى "الحقول الحالية" على سبيل المثال التي وردت في (المادة 112) من الدستور، فمسودة مشروع قانون النفط والغاز المزمن الذي اقترحته الحكومة الاتحادية منذ كانون الثاني 2007، لا تقف مطلقا عند هذا المصطلح؛ بل ان القانون يتحدث في (المادة 2/أ) عن تطبيق القانون على "العمليات النفطية في جميع مناطق جمهورية العراق الأرض وما تحتها، على اليابسة، وفي المياه الداخلية والمياه الإقليمية"، أما قانون النفط والغاز رقم 28 لسنة2007 الذي أصدرته حكومة إقليم كردستان فيعرف المصطلح بالقول: " الحقل النفطي الذي كان له انتاج تجاري قبل 15-8-2005 ". المسألة الثانية التي تطرح بقوة هي مرجعيات إدارة الدولة العراقية ومحدداتها وآليات التعامل مع الازمات ،إننا ما زلنا في العراق في إطار إدارة السلطة وليس إدارة الدولة، لأن الدولة ببساطة غير قائمة، فالخلط بين السلطة والدولة كان وما زال واحد من أبرز إشكاليات العراق على مدى تاريخ الدولة/السلطة منذ العام 1958، وكنا طيلة هذه المرحلة الطويلة في إطار اختلافات في الدرجة وليس في النوع، وإلى ان جميع رجال الدولة/السلطة العراقية اليوم إنما يعبرون عن مرجعياتهم الأثنية والمذهبية والحزبية أكثر من تعبيرهم عن منطق الدولة العراقية المفترضة. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ د. يحيى الكبيسي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|