|
|
حجر عثرة : مع المالكي في نقده للفساد |
|
|
|
|
تاريخ النشر
10/09/2009 06:00 AM
|
|
|
الحالة التي وجد فيها المالكي نفسه وحكومته والتي املت عليه خطابا نقديا يستشف منه المراجعة - مراجعة ظواهر الفساد الناتجة من المحاصصة او الشكل السياسي الخاص بالتوافقية ، تحتاج الى اكثر من وقفة. ففي الوقت الذي احيي فيه رئيس الوزراء لجرأته ولعدد من تشخيصاته الصحيحة، ارى ان المحاصصة التي تذمر منها ليست نتاج الديمقراطية التوافقية، كما ان الاخيرة التي خبرناها حتى الآن ما كانت ديمقراطية ولا توافقية . والحال لقد جرى وصفها بذلك الوصف الايجابي لعدم وجود وصف صحيح ودقيق ، وجريء بوجه خاص، لنظام مبني على توزيع الحصص السياسية والمواقع الادارية وما يتعلق بهما من موارد مالية. ما ان ترتبط تلك التوزيعات بالنظام السياسي وتيسيراته حتى يبدو ان الاخير هو الكافل والضامن لها. لسنا بعيدين عن الاندماج ما بين تلك الظواهر والنظام السياسي، وهذا ما تثبته التجربة، بصرف النظر عن العيوب الاخلاقية واجراءات النزاهة. إن السياسة هي التي تهندس وتربط وتبني، ولسوف تلتحق بها الاخلاق في شقيها المتواطئ والناقد في ضرب من المهازل السود. ما أن يبدو ان النظام لا يستمر من دون "مكافآت سياسية" حتى نرى شكلا من اشكال الازدواجية السياسية والاخلاقية التي تحل تناقضاتها بقوانين ميسرة ، حيث الفساد يبدو مكرسا باسم السياسة، ومستاء منه باسم الاخلاق. في فساد تعممه السياسة ما الذي تفعله الاخلاق غير اضطرابات قليلة في النوم، والصحو في اليوم التالي بإلصاق الفساد بالخصوم، بينما النظام السياسي يعيد انتاج نفس المشكلة على مدار الساعة؟ وما الذي تفعله القوانين غير ان ترخي قبضتها وتبحث عن "البراءة" في جحور الثعالب والافاعي؟ إن جميع الظواهر اللااخلاقية لما سمّاه السيد المالكي بـ "الحيتان الكبيرة" بما فيها "قوانين العفو"و" الغفلة" متفرعة من اختيار نظام سياسي تصبح فيها الدولة ملحقة بالاحزاب السياسية "المتراضية" على التشهير ببعضها البعض كما هي "متراضية" على السكوت لمصلحة بعضها البعض الآخر. إننا نتحدث عن فساد يجعل من موارد الدولة مستباحة، وقوانينها مخترقة، والاخلاقيات الاجتماعية والدينية مجرد دخان لاخفاء السوء. من هنا لا يبدو اننا ازاء ظواهر فساد عادية، نحتاج معها الى عدد من الاجراءات والمراجعات. لنأخذ مثلا المحاصصة التي يعتقد السيد المالكي بأنها نتاج الظروف. ما الظروف؟ إنها الاسم الآخر لنظام سياسي خرج الى الدنيا من خلال ملابسة الاحتلال والعنف وسقوط الدولة – نظام سياسي ابتنى دستورا قبل ان يبني الدولة، ثم راح يبني الدولة على صورة الهشيم الاجتماعي والسياسي الذي يحيطها. لكن دعونا لا نجادل كثيرا ونقبل بـكلمة "الظروف"، فما الذي نراه حقا؟ ظروف تطول، وابطالها، ممن تواءموا معها، يواصلون حلبها واعادة انتاجها. لماذا؟ لاننا ببساطة لا نبني الدولة الحديثة بقدر ما نبني نظاما سياسيا بوساطة الهشيم الاجتماعي والسياسي القديم والحالي. في دولة القانون والديمقراطية، سواء كانت توافقية او تحكم باسم الاكثرية، لا يوجد اسراف باستخدام الاخلاق سواء بالكلام او بقوانين الرأفة . إن العفة والشرف والنزاهة مطلوبة في المناقب الشخصية، فهي ما تجعلنا كبارا ومؤهلين لحب الناس ودخول جنان الخلد، لكن هذه المناقب في دولة القانون هي الاسم الآخر لاحترام القانون ومبدأ المواطنة. الاخلاق كلها في دولة القانون والديمقراطية ليست قصائد اخلاقية يلوم فيها خلاّن أقرانهم، بل هي حركة القانون في الدفاع عن الملكية الاجتماعية واموال الشعب وتحقيق العدالة. بعد ان جرب النظام السياسي سلاح النقد الاخلاقي من دون طائل، وبعد ان تلاعب بقوانينه نفسها، وهو ما كشف عنه السيد رئيس الوزراء، أما آن الأوان لبناء الدولة الحديثة – دولة القانون والديمقراطية؟ |
|
رجوع
|
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|