|
|
العراق وجواره |
|
|
|
|
تاريخ النشر
10/09/2009 06:00 AM
|
|
|
الأزمة العراقية السورية الناشئة على خلفية تفجيرات الأربعاء الأسود والتي جاءت من الحدة في التصعيد السياسي والرغبة في تدويلها بالذهاب إلى مجـلس الأمن والمنظمـة الدوليـة وعبـر اللجوء إلى القضاء الدولي، اتخذت منحى التصعيد العالي هذا كونها هزت الوضع العراقي الأمني وبغية تقويض السياسي عبـر استهدافها لرموز ومواقع السيـادة، وبسبب من الكلف البشريـة التدميرية العاليـة ولما مثلته من اختراق أمني ضرب في مناطق بالغـة الدقـة، ولأنهـا جاءت على تراكم طويـل من سجـل القتل والتفجيـرات والتي غالبـا ما تعقب منشأهـا لجوار العراق والذي بات لا يمكن لحكومـة وطنيـة تدخـل في مرحـلة انتقالية من مسؤوليـة حمـايـة شعبهـا أن تتساكـن معهـا، فهي جاءت بعـد انتقال الملف الأمني في المدن للعراقييـن وان من شأن صدمـة بهذا الحجم بأن تعيـد الاتكاليـة بما يفقـد الثقـة بالقدرات العراقيـة المدعيـة للتطوريـة والجهوزيـة، وأيضـا هي تمت كتتويج لسلسة عمليـات خلال شهري تموز وآب امتدت من الجنوب مرورا بمناطق في الشمـال مستهدفـة أغلبهـا تجمعـات بشريـة تنتمـي للفرق والمكونـات التي استحلت دماؤهـا من قبـل التكفيريـين ومن يعاونهـم والتي تستهدف فضلا عن التقرب إلى الله بدمـاء أتباع هذه الفرق «الضالـة» فإن هدفهـا الآخر الجوهـري هو لاستدراج الرد العنفـي منهـا بما يتيـح إعادة دورة العنف الطائفيـة إلى سابق تأججهـا. قبـل توجيـه اللوم إلى الآخرين لابـد من البدء بالذات، إذ كشفت هذه الأزمة استمرار هشاشـة الطبقـة السياسيـة وغيـاب المشتركـات فيمـا بينهـا وتحجـر بل وتبـلد استجاباتها لمشاهـد الدمـاء والقتـل العبثـي المستهدف لأبنـاء شعبهـا، إذ أن سلسـة الكوارث البشريـة هذه والتي لا تقـل العنيفـة والكبيـرة منهـا، والتي باتت تقع بإيقاع زمـني متواصـل تتقارب فيـه وتتوسـط المسافـات لكنهـا لا تتباعـد، هي لا تقـل في جسامـة كلفهـا البشريـة عن ما تخلفـه الزلازل والبراكيـن، فكأن الله الذي حمـى العراق من أن يكون في خط وقوس الزلازل أبت عليـه ذلك قوى التدميـر البشريـة في أن توفـر دمـاء أبنائه فاصطنعت لهـم زلازل توقعهـا بدورات متلاحقـة. فمظاهـر الضعف هي ازدواجية وتناقض الخطـاب والرؤية ومقاربة المعالجـات حتى بيـن أقطـاب السلطـة التنفيذيـة، ويأخذ ذلك طابعه الأدهـى بالنزول إلى الطبقـة السياسيـة الأوسـع بأحزابهـا التي للأسف باتت لا توحدهـا هكذا كوارث التي تقع بالعزل من أبنائهـا الضعفـاء فنجدهـا تتوزع وتوجـه الاتهامـات أو تبرر وتدافع وفقـا لانتماءاتهـا المذهبيـة ووفقـا لامتدادات علاقاتهـا الخارجيـة ولمصادر تمويلهـا وتعويلها واستقوائها، فقلمـا نجد أن طبقـة سياسية في أي مكان آخـر في العـالم يضربهـا عشـر معشار معدلاتنـا في العنف لا تتكاتف وتقف متوحدة ضـد مصـادر التهديد ومقترفيه والداعمين له. أما لجهـة التوجـه العربي نحو العراق فإنه يحكمـه المخاوف والتوجس، فيتراوح ما بيـن الانغمـاس عبـر الاحتواء والتدخـل أو العزل والسلبيـة، المخاوف من انسحاب ما يجري في العراق من أعمـال عنف إلى بلدانهـم، ومن بروز وصعـود الهويـات الإثنيـة والطائفيـة، وانتشار الإسلام المسـلح، فرغـم التطورات الايجابيـة خلال السنتين الأخيرتين فيمـا يتعلق بالوضع الأمني وتنامـي قدرات القوات واتسـاع مساحـة السيـادة للحكومـة العراقيـة وبدء استحقاقات الانسحـاب المستهـلة من المدن دون تعريض الاستقرار الإقليمي للخطـر وبابتعاد احتمالية انهيار الدولـة وتفككهـا، فالمأخذ استمرت على الانقسامـات السياسيـة العميقـة في العراق، وعلى ما ينظـر له من هيمنـة حكومـة شيعيـة وتهميش لآخرين، إذ أن ذلك يمثل تهديدا حقيقيا يتعلق بماهية النظـام في العراق الذي سوف ينبثق، فجوار العراق العربي لهـم مصلحـة في رؤيـة حكومـة تمثل الجميـع وليست مواليـة لإيران، كما يفترض أن لكـل دول الجوار مصلحـة في عراق يمكن أن يكون شريكا في الأمن وفاعلا في الدبلوماسية الإقليمية والنمو الاقتصـادي، فعراق لا يعـاني المشاكـل يستطيـع أن يكون إيجابيا مع دول الجوار، إلا أن اللافت أن التطلـع والاستثمـار في الدور الايجـابي للعراق ظـل في الحدود النظـريـة، أو تم عبـر طريقـة «إسقاط الفرض» وافتقـر للإصرار والتتابعيـة. في حيـن على الجانب الآخر فإن الدول التي أرادت أن تستثمر العراق كورقـة في صراعاتهـا ولتحسيـن شروطهـا التفاوضيـة وكساحـة لإبعـاد المخاطـر عن أنظمتهـا ولتحويـل العنف المحتمـل لديهـا واستنزافـه وتفريغـه على أرضـه ولإبقـاء صورتهـا المقاومـة، كانت هي الأفعـل طيلـة السنيـن الست الماضيـة، فمن الواضح أن السورييـن من جهتهـم يميلون للتعامـل مع العراق باعتباره عنصـرا في مجموعـة متكامـلة، فهو مرتبط بباقي أزمـات الإقليم كالجولان ولبنـان والقضيـة الفلسطينـية، لذا فهم يميلون إلى مناقشـة قضيـة العراق في إطـار العلاقـات السوريـة ـ الأميركيـة، وبذلك أيضـا ارتبط ضبط إيقاع حركـة المقاتلين الجهـادييـن عبـر الحدود، فالدول المهـددة بالتغيـير وازنت حساباتهـا ورأت أنها بهذا التصرف سوف تبقـي الجيش الأميركي مرهـقـا ومشغـولا في حرب باهظة التكـاليف، فعـلى الرغـم من أن دعـم الفوضـى في العراق ومساعـدة المتشدديـن هي بالضـد من المصـالح بعيـدة الأجل بسبب من خطـر ارتدادها عليهـا، إلا أن حسابات هذه الأنظمة تميـل إلى القبـول بالتضحيـة الآتية من خطـر بعيـد محتمـل لدرء آخـر آن يحيق بهـا، فضلا عن أن استراتيجية تغذيـة ودعـم الأزمات الإقليمية التي انتهجتها هذه الدول لا يمكن أن تتراجع عنهـا خـاليـة الوفاض دون أن تقايضهـا بملفاتهـا العالقـة. لذا يعـود من قبـيل التفصيـل الحديث عن الأدلة وهو لا يعـدو أن يكون تكرارا تقتضيـه المماحكـات الإعلامية والتشاطـر السياسي، كما أيضـا أن سقوط كل مرة مئـات الأبرياء والتدميـر المروع هو تفصيـل وعـارض جانبي يستحق التأثـر لا الوقوف، إذ أن الذي يعـول عـليـه بالنهايـة هو المصـالح، ولكن هنـا الإرادة السياسيـة للأسف تقرأهـا، وستظـل، بمضمونهـا الضيق، إذ لو كانت جـادة في طروحاتهـا التي طـالمـا رددتهـا عن الحرص على وحدة العراق واستكمال سيادتـه وعودتـه بفاعليـة لمنظومتـه الإقليمية لالتفتت على الأقل لمتغيرين، الأول أن العراق يمـر بظرف صعب وحرج ويدخـل بمرحـلة انتقالية ببدء تطبيق الانسحابـات الأميركيـة مما يستدعـي مساعدته وعلى الأخص من دول طـالمـا نددت وناهضت الاحتلال، والثاني انـه في هذه المرحـلة وفقط برز بقـوة المشروع الوطني السـاعي لتقويـة المركز القـادر على منـع انفراط أجزائـه وتحـلل سلطـاته، وتنامي الإدراك بضرورة تطويـر نظـام سياسي قـادر أن يمثل الجميـع بالتراضـي، وان مسار العراق فهـم بأنـه لن يصـح إلا بالانتقـال من دولـة المكونـات التي مآلهـا التشظـي إلى دولـة المواطنـة التي مآلهـا البقـاء، فكـان الأدعـى لهذه الدول أيضـا أن تعزز وتقوي وتعـاون هذا المشروع، إلا أن الاختلال «الأخلاقـي» يتبيـن عندمـا تهدر كل هذه المثـل والمصـالح العليـا وتختزل لتعدو ومعهـا ضحايـا مطحنـة الموت الوافـد مجرد ورقـة على طـاولـة تفاوض الآخرين. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ د. جابر حبيب جابر
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|