|
|
بين الشرق والغرب |
|
|
|
|
تاريخ النشر
09/06/2009 06:00 AM
|
|
|
يؤرخ الفنان رافع الناصري لتجربته في الرسم والغرافيك بخمسين عاما قضاها دارسا ومدرسا وفنانا متفرغا بين الشرق والغرب، كي لا يحصر المؤثر المعرفي والفني على جهة واحدة هي الغرب الذي اعتاد الفنانون العرب أن ينسبوا إليه تأثراتهم ووعيهم بجماليات الفن وحرفياته. في محاضرته التي قدمها مسهما في ملتقى صنعاء الثاني للفنون التشكيلية 17 ـ 20 مايو يسرد الناصري وقائع ومحطات ومفاصل تشكلت عبرها رؤيته وتواصلَ إنجازه في الرسم والحفر والعمل الفني المصاحب لذلك، كالتصميم والإخراج الفني والصحافة، والمدهش هنا أن عرض اللوحات والأعمال الغرافيكية كانت وسيلته للتعريف بتجربته بدءا مما يسميه الدرس الأول الذي يترك أثره عادة في التوجيه والممارسة. ذلك الدرس يتمثل في بغداد منتصف الخمسينيات حين يعرض جواد سليم على طلاب معهد الفنون الجميلة يدا برونزية عملها لزميله فائق حسن ويطلب نحتها بمادة الطين، وفي الصين مطلع الستينيات حين يكون الدرس الأول رسم مزهرية ورود متنوعة وحفرها وطباعتها بالأسود والأبيض، ثم يأتي طور جديد يكتشف فيه الناصري أمكنة كثيرة شرقا وغربا في أوربا وآسيا والبلاد العربية مشاركا في معارض أو عارض تجربته، فتتعمق رؤيته بتلك المشاهدات البصرية والثقافة متعددة المصادر. في الحفر والطباعة سيكون الناصري من رواد هذا الفن الذي لا يزال نادرا في المحترفات التشكيلية العربية، وسيكثر طلابه في الأمكنة التي عمل فيها فهو يعي ريادة فناني العراق القديم للحفر على الطين، كما أن الصين عرفته قديما، وستنتقل النزعة الغرافيكية إلى رسومه بكثافة ممتدة باحتشاد على السطوح التصويرية واستخدام المواد المختلفة، منوها بالوصية التي يرددها الصينيون عن الفنان العارف متى يرفع الفرشاة الدقيقة عن السطح، بينما ينسال اللون حرا ليعبر عن مكنونات النفس، وأملها أيضا كما تجسده في أعمال الناصري إشعاعات اللون المنبثقة من أشد مناطق العتمة في اللوحة، كما يؤاخي المؤثرات المعرفية في رؤيته الفنية فيمارس الحروفية في فترة مبكرة من اتجاه الفنانين نحوها، ويشغف بالتصوير موثقا الوجود المادي أو الكتلوي للأشياء ويأسرها في عدسته التي تقتنص أكثر المشاهد عذوبة وعفوية، وهذا ما كان يفعله ونحن نتجول في أزقة صنعاء القديمة وأسواقها ومبانيها التقليدية، فيصور رافع الناصري بلا توقف كل ما يلفته من الوجوه والأمكنة والتفاصيل الصغيرة كالأعمال الشعبية على الجدران والسيارات، ويقتنص وجوه المارة المعبرة شيوخا وأطفالا. لقد اغتنت تجربة الناصري الغرافيكية بوعيه بمادة عمله واختياره لموضوعاته وتنوع تجربته التي تحتل في التشكيل العربي والعالمي مكانة خاصة اكتسبها بالمثابرة والتفاعل، فهو لا يتوقف عن التجريب بعد تلك السنوات التي امتلأت بالإبداع وفاضت عنه كما فاض عنها، فصار الفن يعني الحياة عنده كما أن حياته هي فنه بالضرورة. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ حاتم الصكر
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|