|
|
زيارة رفسنجاني ... وغياب منطق الدولة |
|
|
|
|
تاريخ النشر
05/04/2009 06:00 AM
|
|
|
في تحليله لطبيعة الدولة ووظائفها، يشير دوركهايم إلى أن الوظيفة الأساسية للدولة، بوصفها مؤسسة، هي التفكير. و يشير أيضا إلى أنها عضو العقلانية، ومن ثم، فإنها لا يجب أن تبقى في حالة انقياد لعواطف مواطنيها، إن دورها لا يكمن فقط في التعبير عن أهواء العامة، بل في إضافة فكر متروي لا يمكنه في النهاية إلا أن يكون مختلفا. هكذا وبشكل صارخ، فتحت زيارة رفسنجاني سؤال منطق الدولة في العراق. لا أتحدث هنا عن جرح الذاكرة الذي فتحته هذه الزيارة؛ ذاكرة العراقيين الذين لا يزالون غير قادرين على إنتاج تاريخ مشترك فيما بينهم، هذه الذاكرة المتشظية بين مدونات التاريخ الرسمي منذ أربعة عشر قرنا، ومدونات التاريخ الموازي له والذي يراد له أن يكون رسميا بأثر رجعي. من دون أن يصار إلى إعادة التفكير بماهية هذا التاريخ وتجاوز الميثولوجيا التي أنتجته، وانه لا يجب أن ينظر إليه بوصفه نصا يصف واقعا حقيقيا، وإنما بوصفه خطابا يجب موضعته في الإطار السياسي والاجتماعي والثقافي المنتج له. وهي الذاكرة/التاريخ التي أعيد إنتاجها بعد نيسان 2003 بشدة. ولا أتحدث هنا، عن الذاكرة المنقسمة في روايتها وتأويلها لتاريخ العراق الحديث؛ شيعيا وسنيا، عربيا وكرديا وتركمانيا وآشوريا ... ولا أتحدث عن ذاكرة الأفراد والجماعات العراقية، بانقساماتها، وتأويلاتها، وانتقائيتها، وتحيزاتها تجاه الحرب العراقية الإيرانية، التي فشلت الدولة العراقية بعد عام 2003 في طي صفحتها، وما زلنا بعد أكثر من 20 سنة على نهاية الحرب أمام تكرار للمشهد نفسه الذي عشناه بين عامي 1979 ـ 1980: تدخل في الشؤون العراقية، محاولات هيمنة، مشكلات الحدود البرية، شط العرب وخط التالوك، الحصص المائية ، كل ذلك والدولة العراقية مستمرة في البروباغاندا السياسية الرسمية ، التي تسوق الوهم حول الطبيعة "المتوازنة" لهذه العلاقات. وإنما أتحدث عن ذاكرة الدولة العراقية، التي يفترض بها أن تكون أداة العقلنة والتروي، لتنتج خطابا مغايرا قادرا على تجاوز ذاكرة مواطنيها المتشظية. لقد أظهرت زيارة رفسنجاني بجلاء، غيابا يكاد يكون تاما لمنطق الدولة في العراق، فالتصريحات الصادرة عن ممثلي الدولة العراقية، أظهرت أن الدولة في العراق تعتمد رواية الجماعات المنقسمة وتأويلاتها، من دون أية محاولة للتروي والعقلنة المفترضة، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية. لقد عبر ممثلو هذه الجماعات في الدولة العراقية عن مرجعياتهم وانتماءاتهم ومواقفهم الذاتية، ولم يتمكنوا من إنتاج خطاب للدولة العراقية يتجاوز انقسامات الذاكرة تلك. لذلك وجدنا أنفسنا أمام حديث لرئيس الجمهورية يصف فيه رفسنجاني بأنه "أعز صديق للشعب العراقي"، وأنه "كان دائما نصيرا ومساعدا للعراقيين في أيام النضال ضد الدكتاتورية"، وإلى أن القادة العراقيين "يتطلعون إلى الإفادة من خبرته الواسعة، فهو الذي قاد إيران خلال الحرب و بعد الحرب وصولا إلى التقدم الذي تشهده إيران حالياً". وأكثر من ذلك، فان رئيس الجمهورية العراقية يتحدث بمنطق هوياتي أثني/طائفي، حين يسترجع الخطاب الذي روجته المعارضة العراقية قبل نيسان 2003، في تعقيبه على حديث رفسنجاني عن معاداة منظمة "مجاهدي خلق الإرهابية" للأكراد، بالقول إن " معاداتهم لم تقتصر على الأكراد بل أيضا عادوا العرب الشيعة في العراق". وفي السياق نفسه، صدر بيان عن مجلس الرئاسة، عن لقاء رفسنجاني بالدكتور عادل عبد المهدي حيث ينقل عن الأخير قوله إن "العراق اليوم يتمتع بعلاقات طيبة مبنية على أسس الصداقة والمصلحة المشتركة بين جميع البلدان، ويسعى دائما إلى تطوير علاقاته مع دول الجوار التي طالها ظلم واستبداد النظام الدكتاتوري السابق". وفي بيان آخر صادر عن أمانة مجلس الوزراء، يتحدث السيد رئيس الوزراء عن العلاقات الثنائية التي تجاوزت آثار السياسات التي اتبعها النظام السابق، وأن العراق حريص على إقامة أفضل العلاقات مع جميع دول الجوار. في المقابل كان هناك بيان صادر عن الحزب الإسلامي، الذي يتبوأ أمينه العام منصب نائب رئيس الجمهورية، يصف الزيارة بأنها "غير مرحب بها"، بل إنه لم يستقبل الزائر الضيف على الرغم من وجوده في بغداد. نحن، إذا، بإزاء خطابات تعكس المواقف الشخصية للقادة العراقيين بوصفهم ممثلين لجماعات ذات ذاكرة وروايات ومواقع مختلفة، ولم نكن بإزاء خطاب قادة كيان اسمه الدولة العراقية. كان خطاب الرئيس الطالباني يعبر عن رأي الإتحاد الوطني الكردستاني المتحالف مع الجمهورية الإسلامية في إيران في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. وكان حديث الدكتور عبد المهدي والمالكي يعيدان موقف حركتيهما السياسيتين، ومواقفهما التاريخية بتحميل العراق مسؤولية الحرب ضد إيران. وبالمقابل كان موقف الهاشمي والحزب الإسلامي استمرارا لما يمكن أن يعد موقف الوطنية العراقية بنسختها السنية من إيران والحرب عموما، ورفسنجاني الشخص على الأخص. بل وجدنا بعضا آخر من السياسيين العراقيين يحاول إلزام الدولة العراقية بما لا يلزم، فيتحدث عن ضرورة حسم قضية التعويضات المفترضة لإيران، على الرغم من عدم وجود أي إطار قانوني دولي يفرض على العراق الدولة شيئا من ذلك. لقد عمد الجميع إلى تحويل الذاكرة الخاصة به إلى تاريخ حقيقي ومطلق، ومن ثم استخدام هذا التاريخ، ومنذ 8 نيسان 2003، بدأت هذه الذاكرة/التاريخ بتأويلاتها الأكثر تشددا، تكرس بوصفها أيديولوجية في مواجهة الآخر. وثمة ضرورة حيوية لإعادة مراجعة التاريخ من منظور الدولة وبمنطقها، ومحاولة قراءة هذا التاريخ بوصفه مجرد رواية بإزاء روايات أخرى. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ يحيى الكبيسي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|