الإيصالية : هل هي الشكل أم المضمون ؟ سؤال يطرح نفسه ضمن دائرة الحداثة في القصيدة ، اذا صنفت الاخيرة لو جاز التعبير ضمن عالم القوارير العطرية !! . و إذا تمكنا من صياغة معمارية هذه الكلمة ( الإيصالية ) كملعب لكرة القدم ؛ فإن المستطيل الأخضر كما هو معروف سيقسم الى ساحتين – الاولى للشكل و الاخرى للمضمون . و الفائز . . . هو من سيجمع في مرماه العدد الاكبر من الكرات !!!!!!! . الكرة الآن في ملعب الشكل ، و أترك الملعب الثاني للشوط الثاني لـ( شخص آخر ) ؛ إذا وجد في نفسه القدرة على منح مرماه ذلك العدد الاكبر من الاهداف . إن طريقة التعويض في علم الرياضيات و ببساطة ؛ هي عملية إدخال أو إبدال أو جمع أو طرح مجموعة من المعادلات ذات حدود متشابهة تحوي مجاهيل معنية لإيجاد مجموعة الحل النهائية والموحدة . و بما أن الكون مبني على اسس قابلة للتغيير ، فإن تداخل العلوم فيما بينها شيء مشروع و جائز ، فما بالك بالتداخل الذي يمكن أن يحدث بين الرياضيات و الادب على وجه التعميم أو التخصيص . فالشكل المطروح للقصائد حتى هذه اللحظة يتمركز إنطلاقا الى أربعة محاور ؛ فالمحور الاول لقصيدة البيت و المحور الثاني لقصيدة التفعيلة و الثالث لقصيدة النثر و الاخير ما يستطيع أن يجمع بين الثلاثة و لكنه لايعتبر الام أو المهيمن . و لإن المحور الاول اذا استتب فيه الموضوع ، توالدت أبياته على شكل متوالية عددية لا يمكن رفع أو إبدال أحدهما مكان الاخر . أما المحاور المتبقية ؛ إذا خرج موضوعها عن نظام الاقصوصة أو التتابع التلقائي لغرض الوصول الى نقطة الاحتدام اللامتناهي في النص ؛ فإن مجموعة التفعيلات التي تقع ضمن الشطر الواحد يمكن إعتبارها متواليه هندسية ، أي أن الابدال والتغيير جائز . * و لإن المحور الثاني ( قصيدة التفعيلة ) قد جمع بين التزام الوزن في المحور الاول و الفوضى على مائدة القوافي في المحور الثالث . * و لإن التجريد في هذا النوع من القصائد و الغوص في الذات الفلسفي ذو الطابع العشوائي جدير بالأختيار . * و لإن المرحوم محمود البريكان هو من أجاد الخوض في هذا المجال على الأرجح ؛ فلا يمكن لقصيدته التجريدية ( القوة الطاردة المركزية ) أن تهرب منا . و التي يقول في بعض أجزائها قبل إجراء عملية التعويض :
لو كان لي أن أطلق استغاثة واحدة . . . . 1 عبر سماء الجليد . . . . 2 لصحت من رعبي الخفي الوحيد . . . . 1 القوة الطاردة . . . . 2 دوامة الاصداء . . . . 1 تأخذ بالروح و تمتد الى الفراغ . . . . 2 دوائر سوداء على بحيرة بيضاء . . . . 3 زوبعة صامتة . . . . 4 تبعثر اللون على المسافة الباهتة . . . . 3 كابوس . . . . 4 في أعين مفتوحة . إغماء . . . . 4 ليس له علامة . توتر مغروس . . . . 4 في جسد العالم . موت متعب طويل . . . . 3 في صخب الايقاع . . . . 4
أما المقطع الأخير : ليس الحب مستحيل و لا الجمال خدعة . . . و لاندى السحر خرافة . . . لكن يفيض مرقص البشر بالعنف و العويل
فهو كما نلاحظ ؛ يطبق نظري المتوالية العددية ؛ و هي النتيجة النهائية لخلاصة عملية التعويض التالية و التي ستتم حسب الترقيم أعلاه : ( من الادنى الى الاعلى )
لو كان لي أن أطلق استغاثة واحدة لصحت من رعبي الخفي الوحيد دوامة الاصداء عبر سماء الجليد القوة الطاردة تأخذ بالروح و تمتد الى الفراغ دوائر سود على بحيرة بيضاء تبعثر اللون على المسافة الباهتة في جسد العالم . موت متعب طويل زوبعة صامتة كابوس في أعين مفتوحة . إغماء ليس له علامة . توتر مغروس في صخب الايقاع
فبعد قراءة قصيدة ( القوة الطاردة المركزية - المعوضة - ) نلاحظ تكون أبعاد جديدة و إنتقاء انتمائي آخر و صور ربما أدق ! ؛ كما في : ( القوة الطاردة تأخذ بالروح ؛ دوائر سود . . . تبعثر اللون . . . ؛ توتر مغروس في صخب الايقاع ) و غيرها مما يترك نفسها للإكتشاف . و من حيث وصلنا نستطيع أن ننطلق ربما لنهاية لا تنتهي الان ؛ فإن التغيير في داخل هذا الشكل المطروح لهذا النوع من القصائد و الذي يقود في الغالب الى نتيجة مرضية ؛ هو كفيل أيضا أن يقودنا الى محاولة التغيير داخل شكل شعري آخر أو الى الشكل ذاته ككل . و التغيير الداخلي في فسلجة الترتيب للقصيدة المطروحة اذا كان ضمن توافق منطقي ؛ فهو يستطيع أن يرتقي بالمضمون الى مصاف التوالد في قصيدة البيت من غير الاعتماد على نظام التسلسل المنطقي في سرد الموضوع داخل قصيدة التفعيلة . وبهذا فإن تجريد التجريد عند استخدام طريقة الانتقاء الانتمائي في رسم أداة لغوية جديدة هو جسر كونكريتي يوصلنا الى ما يسمى اليوم بالحداثة و قد يغنينا ما طرح أعلاه بالاسغناء عن مقومات الشعر و صولا الى القصيدة ؛ أو ادخال لغة الصحافة و ان كانت الاخيرة لا بد منها اذا ما أخذ بالمقومات . فالترابط بين الشكل والمضمون هو الذي يخلق الايصالية الناجحة ؛ هذه بديهية معروفة . أما الافضلية فهي لأي منهما ؟ ومن هو الفائز عكسيا عند انطلاق صافرة النهاية ؟ الاجابة متوقفة على تحليل المضمون و ترابطه بالشكل للقصيدة الحديثة ؛ على غرار ما تقدم في تحليل الشكل وترابطه بالمضمون ؛ لمعرفة موقع نقطة الارتكاز النهائية .
|