|
|
البصرة : عجبا ! |
|
|
|
|
تاريخ النشر
24/11/2008 06:00 AM
|
|
|
هل توجد في البصرة عادة كتابة التعهدات وجمع التواقيع؟ لا أدري ، بيد إن هذا ما حصل ثلاث مرات خلال أقل من عام. المرة الاولى جاءت قبل أن تنطلق صولة الفرسان في آذار 2008 ، فالاحزاب والحركات السياسية الاسلامية وغيرها وقعت وثيقة شرف امن البصرة، لماذا؟ لأن المدينة ضجت من مقاتل الطائفية السياسية ، ضجت من التصفيات التي تقف وراءها مصالح اقتصادية وتجارية لبست لبوس الدين والاخلاق . في الحقيقة إن الكثيرين ممن وقعوا على الوثيقة ارادوا ايقاف المقاتل التي اتخذت صفة غير معقولة في مدينة بائسة حراسها يسرقونها ومن يحتج منهم لا يكاد يعرف إن كان يحتج عن نزاهة أو لأنه يريد حصة . بيد إن البصرة مدينة غنية كما يؤكد الأغنياء، والمدن الغنية تحتاج الى عقل استثماري، أو الى عقلانية اقتصادية، فبدلا من القتل واللصوصية المفضوحة، يمكن تطوير هدنة طويلة للمتحاربين لكي يتأملوا ويتدبروا حالهم كعقلاء يتبادلون الاشارات والمصالح بدلا من الغدر والعدوان، هدنة المتحاصصين والثعالب والمتخوفين من استشراء الظلم والنهب حتى حدود الفضيحة. في تلك الايام كانت التعهدات الامنية تخدم كذلك المتصارعين لكي يبقوا احياء ، وقد لاحظت أن الموقعين على وثيقة أمن البصرة لم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد الى مقاتل النساء ، على الرغم من أن البصرة التي وقعوا على وثيقة أمنها ضربت الرقم القياسي بوأد النساء في سباق محموم لزرع الفضيلة كما زرعتها من قبل سيوف عدي . أبدا . لم ينبسوا بكلمة . طبعا ، فالمتعهدون رجال ، ولا يريدون أن يضيعوا جهودهم من اجل سلام المدينة وأمنها على فسافس قتل النساء اولا ، حتى لو تجاوز الرقم 70 امرأة منحورة ، وهم في الحقيقة معنيون بمقاتل غير مشبوهة ، مقاتل من طراز ممتاز ثانيا. النشاط الثاني جرى قبل شهر تقريبا حيث وقعت القوى السياسية على تعهد شرف باجراء انتخابات المحافظة بحرية وعدم التدخل بارادة الناخبين. بالطبع هذا جميل جدا ، ويعكس حرص القوى السياسية على اجراء الانتخابات في جو من الحرية والديمقراطية . بيد أن السياسة في البصرة تخفي اكثر مما تكشف على الرغم من أن أهل البصرة يضرب بهم المثل بالوداعة والهدوء . ( هل هم من البصرة حقا؟) من الواضح أن العديد ممن صاغوا هذه الوثيقة تذكروا جيدا أن كلا من الانتخابات النيابية ومجلس المحافظة جرى التلاعب بهما وحولت الى أغنية خشابية . لعلّ البعض منهم شعر بالندم لدوره المأساوي في هذا التلاعب بعد أن بات لا يستطيع الفوز حتى لو زورت الانتخابات لمصلحته. لقد حصلوا على مكافأة لعبة الديمقراطية لمرة واحدة ، وعليهم أن يتحلوا بالروح الرياضية في المرة الثانية أو يبحثوا عن حل آخر. النشاط الثالث والذي يتصف بأهمية استثنائية هو حملة التواقيع التي أطلقها وزير سابق ونائب حاليا لجعل البصرة اقليما فدراليا. لاشك انه قرأ الدستور جيدا واستند اليه لكي يجمع التواقيع ويعد العدة السياسية والتنظيمية لكي تصبح البصرة اقليما . لكن ليس الامر يتعلق بالدستور ولا بالتواقيع . لا نسبة عشرة بالمئة ولا خمسين بل مستوى الواقع الفعلي . لست ضد الفدرالية، فالدليل العالمي للفدراليات يقدم نماذج متطورة جدا، الا ان هذه النماذج بالمقابل لم تنزلق الى الفدرالية من دون أطر اجتماعية وثقافية وتذكارات جمعية، بل إنها انزلقت من خلال تشييدات مؤسساتية جرى تعزيزها بخبرة الحرية والديمقراطية والتفهم والتجربة الجمعية. أنا شخصيا مع الفدرالية الكردية ، فهي مفهومة كالتزام دستوري وكحق قومي ثقافي وانساني. والحال إنني بالمقابل لا أشعر إن جمع التواقيع يعني شيئا في حالة البصرة الشديدة التعقيد. فالمدينة منذ نيسان 2003 مختطفة وتتصرف أعلى من صفة اقليم بل كولاية مستقلة تهيمن عليها نخب سياسية لها ارتباطات عديدة في الخارج. لعل صاحب المشروع يعرف ان المدينة لم تعد الى العراق تماما حتى بعد صولة الفرسان التي لم تفعل أكثر من تقريبها من أفق السلطة المركزية ليس الا. النخب السياسية التي أدارت البصرة وهيمنت عليها ، ومررت سرقات النفط ، والاغتيالات ، ومقاتل النساء ، لا زالت تسيطر عليها، مرة بالعلن ومرة بالسر ومرة بالشراكات الآنية. حتى الآن لم يجر تحقيقا عما جرى في البصرة . الحكومة والنخب المهيمنة يحتفظون باسرار مدينة هتكت وسرقت ونهبت ليس من السلطة المركزية (المعطلة!) بل من الجماعات السياسية التي تطورت الى جماعات استثمار واغتنت على حساب بؤساء اهل البصرة ، على حساب أهل الشرف والكرم والثقافة . الحكومة تحتفظ بالاسرار لأسباب سياسية ، والنخب المتنفذة تحتفظ بها للابتزاز والصراع السياسي والتنابز . هل يراد الآن اقامة الفدرالية على كل هذا الصمت المشبوه؟ من ذا الذي بقى في البصرة من لم يجرح ، أو يهاجر ، أو يقتل ، أو ينفى أو يتعذب أو يصمت ؟ البصرة تحتاج الى خطط للقضاء على الفقر ، والأمية التي بلغت 60 بالمئة ، والأمية الحضارية المستشرية . تحتاج الى تطهير من جماعات النهب والتهريب والكراهية، والى الحد الأدنى من الخدمات ومظاهر المدنية، وليس الى نظام اداري معقد لا تتوفر معداته حاليا. لا يمكن اقامة فدرالية بمعدات فقيرة . حققوا العدالة اولا ايها الزعماء قبل أن تجمعوا التواقيع . ثمة من يقدم اسوأ تصور عن الفدرالية ، بل إن هذا البعض يسيء الى الفدرالية بوصفها نظاما اداريا متطورا، وبوصفها تطويرا للعقد الاجتماعي في أفقه الديمقراطي والاجتماعي. من هنا أود أن أضع كلمة مخلصة في آذان اصدقائي الكرد : احذروا من التصديق ! احذروا من أن تحشروا أنفسكم بين من يلقي عليكم تبعات لستم من أهلها ولا من تسبب بها . ولأهل البصرة أذكرهم : تذكروا! |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ وليد الحيدري
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|