|
|
خالد القشطيني على «بساط الريح» |
|
|
|
|
تاريخ النشر
16/09/2008 06:00 AM
|
|
|
يستعيد خالد القشطيني في «على ضفاف بابل» (رياض الريس) صورة مدينته بغداد في الأربعينيات، لا تغلبه النوستالجيا ولا الماضي، بل يبدو كأنّه يقدّم تقريراً أكثر مما يقدّم رواية متخيلة. وهو يتدخّل أحياناً ليقدّم معلومات لا يحتاجها القارئ العربي، ما يزيد من درجة التقريرية ربّما لأنّ الرواية كتبت أساساً بالإنكليزية. وفي بعض الصفحات، يقدّم أوصافاً أنثروبولوجية تبدو أقرب إلى ملاحظات المستشرقين النمطية والشائعة، «بغداد التي يشطرها دجلة إلى شطرين غير متساويين في الحجم وغير متشابهين في المزاج والأصول الأثنية». في موضع آخر، يذهب القشطيني بعبد السلام ساسون الشخصية الرئيسية في الرواية إلى «محلة الفضل»، واصفاً تلك الرحلة بالمغامرة في دخول منطقة معروفة بميولها الشوفينية والطائفية، وما قام به أبناؤها من تقتيل اليهود في فرهود عام 1941. وتتكرر في الرواية عبارة الشرق الأوسط التي تستخدم إطاراً معياراً للمقارنة مع ما يجري في العوالم الأخرى: التقاليد هنا تختلف وعادات العشاق والهوس بالبشرة البيضاء. تبدو تدخّلات المؤلف أحياناً لوصف حدث ما كأنها ترديد لشعارات: «فسواد الناس ينظرون إلى الحافلات التي تقلّ طلاب المدرسة الراقية «كلية بغداد» وإلى مرافقيهم من القساوسة الأجانب كمظهر من مظاهر الهيمنة الإمبريالية الغربية وطلائع هجمة صليبية جديدة ماكرة على ديار الإسلام. أما قرار الدول العربية بإرسال جيوشها لمهاجمة إسرائيل وتصفيتها عام 1948، فكان بمثابة رفع الستار لحملة هستيرية من معاداة السامية». وفي صفحات أخرى، يبدو ما يذكره القشطيني كأنّه مقتطع من كتاب تاريخي، فيهود العراق الذين جاء بأجدادهم الملك البابلي نبوخذ نصر أسرى إلى بابل، عاشوا وتزاوجوا لنحو 2500 سنة وحافظوا على هويتهم، بحيث يمكن اعتبارهم النمط الأصيل للجينات اليهودية، ثم يذكر على لسان معلم مدرسة ثانوية: «ديانتنا، أقصد الدين الإسلامي نشأ في الجزيرة العربية لا في العراق ثم جاء إلى هنا، لكنّ ديانتكم عراقية صميمة نشأت في العراق لا في فلسطين، كل كتب التوراة والتلمود كتبت هنا على أرض بابل، كل أنبيائكم مدفونون هنا في العراق». تلك الحقائق، يصفها الحاخام موشي في الكنيس اليهودي في طهران حيث هرب عبد السلام ساسون وزوجته، بالكلام الفارغ، مؤكداً أنّ العرب كذابون. يقدّم القشطيني وجهات نظر متطرفة أو غير متفق عليها في تفسير التاريخ ورموزه الدينية والأسطورية. وفي مواضع كثيرة، يتوقف السرد الحافل بالتفاصيل ليضيف المؤلف ملمحاً تاريخياً أو تفسيراً لحدث، مؤكداً حضوره التقريري، أو وجوده كراوٍ عليم بكل شيء، يتابع مصائر شخوصه وسط تحوّل مفصلي في تاريخ العراق والعالم، حين انهارت فكرة التعايش السلمي بين الطوائف والملل التي استمرت قروناً في بلاد الرافدين، بعد قيام إسرائيل وسعي المنظمات الصهيونية لاقتلاع اليهود من جذورهم العراقية وإرسالهم إلى أرض الميعاد على طائرات خالية من المقاعد في عملية مرتجلة أطلق عليها «بساط الريح». تبدأ الرواية قبل قليل من ذلك بمأساة مراهقة من عائلة غنية تبدو عليها آثار الحمل. يتم عرضها على أشهر طبيب للنساء في بغداد، هو اليهودي المثقف عبد السلام ساسون الذي يعرف كل أسرار نساء الطبقة الراقية. يضطر ساسون تحت تهديد السلاح إلى الاعتراف بحمل المراهقة، ويصاب نتيجة ذلك بانهيار عصبي ويظلّ يردّد برعب: لا لم أقتلها، يعجز الأطباء عن مداواته ويفقد زبوناته ويهجر عيادته. أما في مستشفى الأمراض العقلية، فينظر إليه المجانين بريبة ويضطهدونه كجاسوس صهيوني. وتقرّر زوجته الفرار من الجحيم العراقي، عن طريق إيران فإسرائيل. هناك، يتحوّل ساسون إلى طبيب للأسرى من الجنود العرب، ويتعرّف إلى الشاب حسّون الذي أغرى المراهقة فيطلعه على السرّ الذي ظلّ يعذبه لسنوات: هو لم يقتل حبيبته إنّما هي تعيش في البصرة، ثم يسهّل سيسون عملية هروبه... ليكتشف حسون أنّ حبيبته تحولت إلى بغي في بيت الشناشيل الأزرق الشهير في البصرة، فيفتديها بمئة دينار. وتنتهي القصة نهاية سعيدة كحال قصص كثيرة في الشرق الأوسط. حين يصطحب حسون حبيبته إلى أيّ أرض في العالم لا يذبح فيه الناس مَن تستجيب لنداء الحب.
|
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ سعد هادي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|