ليلة الملاك رواية عراقية لكاتب يثير الانتباه بتقنياته السردية اسمه نزارعبدالستار. هذه الرواية صدرت مؤخرا عن دار ازمنة الاردنية وهي الاولى لكاتبها الذي عرف قاصا، ويعد من المع كتاب القصة الشباب في العراق. ليلة الملاك تمتاز ببنية خيالية – اسطورية توازي بغرابتها ولا معقوليتها واقع العراق المتأزم. البطل فيها شخصية اسطورية يدعى السمارتو وهو انسان مجنح برأس صقر وزي آشوري يحمل دلو قرابين وغصن آس وفيهما تكمن قوته الخارقة. هذا المخلوق الاسطوري مسخ على يد نوح ( آتو نبشتم في الرواية وهو بطل الطوفان في الملاحم العراقية القديمة ) على هيئة صقر وان نوح اطلقه من سفينة المخلوقات ليبحث عن اليابسة بعد انحسار مياه الطوفان لكن السمارتو استشعر قوته وعجائبيته
ولم يعد اليه وعاش آلاف السنين في خدمة الملوك والجبابرة وفي خدمة الامبراطورية الاشورية التي ساهم السمارتو باسقاط عاصمتها العظيمة نينوى عمدا من خلال هدم سدود نهر الخوصر واحداث فيضان فيها انتقاما منه لبطشها وغرورها وظلمها. السمارتو عاش في العصور التي تلت ذليلا ومهمشا فتحول الى كائن شرير وشخصية شعبية مهمتها معاقبة الاطفال الذين يغالون في البراءة حد الازعاج الى ان وقع في مصيدة المخابرات الامريكية حيث استخدمه شوارسكوف القائد الامريكي في حرب عاصفة الصحراء. السمارتو العجيب يحتفل كل عام بذكرى ليلة انحسار مياه الطوفان والخروج من السفينة وهو في هذا اليوم يسخر قدراته في خدمة شخص ما فيكون الصبي يونس هو المحظوظ الذي ينال هذه البركة فيعمد السمارتو الى اصطحاب يونس الى مدينة الملاهي ويفتحها له وحده بعد منتصف الليل. ولان مدينة الملاهي تعاني الخراب والاهمال بسبب الحصار والحروب فان السمارتو يقوم باستخدام قدراته العجيبة لتجديدها وجعلها زاهية ومضيئة كيوم افتتاحها لكن السمارتو يصدم بعدوانية الصبي يونس الذي نكتشف انه ترك المدرسة ويعمل ببيع السكائر ويعاني الفقر والحرمان ويتعامل مع الاشياء بمنطق الحرب والاستغلال والجشع فيعمل السمارتو على امتصاص عدوانية الصبي واعادة تأهيل بنيته الطفولية وازاحة آثار الحروب ويشجعه على عقد مصالحة مع الذات والعالم الخارجي ومع الفجر يطير هذا المخلوق العجيب بعد ان يترك ليونس دلو الماء وغصن الاس: الطاقة السحرية التي تخلق الاعاجيب. كاتب هذه الرواية ينجح في ادارة عمله وفي جعل شخصية السمارتو مقبولة وشديدة الواقعية ويستخدم لغة مكثفة ومتعددة الابعاد تنضح شعرا وانسيابية مستفيدا من تقنية الصورة السينمائية وليس عين الكاميرا كما هو معتاد خالقا مشاهد بانورامية فيها حركة واحتدام وتصادم بين الصبي الذي لايعرف قوة كونية هائلة الا قوة امريكا وبطشها وبين هذا الكائن الاسطوري الغريب الذي يضرب بجناحيه ويستخدم الغصن والماء في تحقيق الاحلام ويعاني ازمة نفسية شديدة كونه عذب واهين وعاش عمره تحت وطأة العنف الدكتاتوري التعسفي وغير الانساني. يونس بالمقابل يعمق احساس السمارتو بالخسة والاحتقار فهو يتهمه بالجبن ويظنه ديناصورا امريكيا مفخخا سرعان ما ينفجر بينما السمارتو يحاول جاهدا اقناع الصبي انه كائن شرعي لخوارق شرقية وان مواجهة امريكا لا تتم بالاسلحة وانما بالعودة الى المدرسة ومواصلة الحياة بطريقة مغايرة. القوى الغربية في الرواية تظهر مجسدة بالولايات المتحدة وطائراتها وقدراتها النارية بينما الشرق هنا يبدو مجسدا بالخوارق والاساطير. قوى الشرق المهزومة التي يمثلها السمارتو بشخصيته الشعبية المهلهلة وبخوفه النفسي واتكسار ضميره يمارس مع يونس الطفل دورا تطهيريا فهو يعترف للصبي بكل ما مر ويعده باستثمار امثل للقوى الخارقة وتكون مهمة السمارتو اقناع يونس بالعودة الى مقاعد المدرسة وان يعيش طفولته كما يجب. الراوي العليم يسرد لنا القصة باجوائها الخارقة والسمارتو يسرد ليونس تفاصيل حياته ومعاناته على شكل اعترافات تعطينا قراءة واضحة لمفهوم التاريخ عند نزارعبدالستار فالملك الاشوري اسرحدون ينقلب من دكتاتور وسفاح الى رجل مؤمن يناضل من اجل اعلاء كلمة الرجل الطيب العائد من بطن السمكة ( النبي يونس ) والسمارتو يتعرف في السجن الى الالقاشي الكبير صاحب اللحية الزنخة ( نحوم الالقوشي في التوراة ) الذي يدون قصة الخلق اعتمادا على رواية السمارتو ويحثه على الثورة ضد نينوى التي تسقط في النهاية بخيانة من السمارتو نفسه الذي يرى ان شرها قد كثر ( تقارب في العبارات من مقاطع ترد في التوراة ويتصرف بها الكاتب للدلالة على سير الحدث ). السمارتو الذي يعيش مدة سبعة آلاف سنة تجنده المخابرات الامريكية كي يساعدها في حرب عاصفة الصحراء وهنا يطرح المؤلف مقاربة بين دكتاتوريتين الاولى قديمة والثانية حديثة ولكنه ينحى بالشخصية نحو اجتراح مفترق جديد يتمثل بالايمان ان الجيل الجديد اذا ما تطهر من عقدة الماضي واستثمر قواه فانه سيصنع الخوارق ويحقق العدالة. الرواية تحاكم الماضي القديم باعتباره الاساس الحضاري وهي تختار من هذا الماضي مفهوم السلطة المطلقة والعنف وتقارن بين قوة تعتمد الخوارق والارث الاسطوري وبين قوة معادية اخرى تستخدم جبروت السلاح والتقنيات الحديثة وساحة هذا الصراع العراق. الارض التي احتوت اخطر التناقضات واغربها. جديد هذه الرواية يتمثل في انها انحرفت بالخوارق عن كونها ارثا معزولا الى اظهارها كواقع معاش وهذا يحسب للكاتب الذي عمل على انتاج اسطورته الخاصة وجعلها مدعومة بالحقيقة التاريخية. هذه الرواية تصور لنا من وجهة نظر جديدة ازمة الصراع الشرقي الغربي. ليلة الملاك رواية عراقية فريدة من نوعها في مجمل السرد العربي وهي تكشف عن قدرة مبدعة في استثمار الاسطورة ومزجها بالواقع وهي تعبير ليس عن عمق حضاري فقط وانما عن قراءة شجاعة للتاريخ والواقع العربي في مصغر عراقي. |