لمناسبة مرور50 عاما على ثورة 14 تموز
في مذكرات مديحه السلمان الموسومة (الأسيرة رقم 93) بعض اللقطات والصور التي تستلفت النظر بسبب ما تحمله من دلالة , ومن بعض تلك اللقطات الصور الآتية:
صلاحيات الملك غازي
كان الشهيد محمود سلمان قد عين في البلاط الملكي في أواخر أيام المرحوم الملك فيصل الأول . وبعد وفاته وتتويج الملك غازي صار مرافقا له. تقول صاحبة المذكرات عن ذلك: "كان القانون العسكري حينذاك يقضي بأنه لا يمكن بقاء أي ضابط في دائرته أو موقعه مدة أكثر من ثلث مدة الترفيع ... أي على الضباط أن يخدموا في الوحدات الفعلية ثلثي مدة الترفيع التي كانت أربع سنوات, وإلا فان الترفيع , أي ترقية الضابط تؤخر.وفي تلك الحين كان زوجي قد قضى مدة السنة و التحق مرافقا للملك غازي. وأن عليه الآن أن ينتقل إلى إحدى الكتائب لأنه كان من ضباط الخيالة . ولكن تعلق الملك غازي به جعله يطلب إلى السيد رئيس أركان الجيش أن يبحث له عن أية طريقة كانت على أن يبقى محمود في مركزه هذا بحيث لا يحرم من الترقية. ولهذا فقد نقل محمود إسميا وشكليا إلى آمرية (الحرس الملكي) على أن يقوم بوظيفة مرافق الملك الخاص في نفس الوقت . فبدأ الحسد يدب في نفوس بعض زملائه من المرافقين الآخرين ...ويشهد الله , وأقولها للتأريخ بأنه لم يكن راغبا في البقاء ولا بالاحتيال على القانون"وقد بقي الحال على هذا المنوال حتى سنة 1936. وبسبب من وشاية من أحد زملائه لدى رئيس أركان الجيش طه الهاشمي جعل هذا الأخير يستدعي محمود ويطلب منه –رغم حبه له واعتزازه به – أن يفاتح صاحب الجلالة في إبقائه في الحرس الملكي فقط , دون البلاط الملكي ويقنعه بأنه سيكون دوما قريبا منه ورهن إشارته في كل لحظة . وقد وعده بتلبية اقتراحه. اغتنم محمود فرصة وجوده في نزهة مع الملك ففاتحه بنقله , فنظر إليه نظرة استغراب وتعجب وابتسم وقال بالحرف الواحد "...حتى أنت يا محمود يريدون إبعادك عني وأنت الشخص الوحيد الذي أفهمه ويفهمني ... حتى أنت يا محمود ؟ " قالها متأثرا و متأملا . فرد عليه محمود :ثق يا سيدي باني راغب في هذا النقل , فليس لأحد دخل أو أثر في هذا... فجلالتكم لا يخفى عليه اني بقيت في خدمتكم مدة أطول مما يجب . والقانون ورغباتكم هي المطاعة من قبل الجميع .واني كعسكري يجب أن لا أخالف حكم القانون . فاني أتوسل لدى جلالتكم لتحقيق رغبتي هذه وابقائي آمرا للحرس الملكي بإمرتكم وخدمتكم أولا وآخرا.وقد نذرت نفسي في سبيل الوطن . ولكن الملك رد عليه بهذه الكلمات : - قل ما تشاء . ولكن الواقع هو أنك مجبر على طلب النقل هذا ولست مختارا . وحيث إني لا أريد إن أكون السبب في جلب المتاعب لك فسأقبل بما تقول .ولو طلب هذا غيرك لرفضت رفضا قاطعا . فرفع محمود الشكر لجلالته على لطفه وعطفه واستأذنه بان يذهب غدا إلى رئيس أركان الجيش لإصدار الأمر اللازم للنقل فأذن له . وهكذا كان . فتسلم آمرية الحرس دون غيرها . وما هي إلا أن يكتشف جلالة الملك –وهو خبير بما وراء الكواليس – بالمكيدة التي كان قد دبرها ذلك المرافق –غريم محمود . فما أن إنتهت المدة القانونية لمرافقته حتى استدعاه ووبخه على تلك الفعلة النكراء . وبعد إسبوعين نقل إلى الكتيبة الثانية .
مقتل الملك غازي
بعد وفاة الملك غازي عين الأمير عبد الإله وصيا على العرش نظرا لأن ولي العهد فيصل الثاني كان طفلا . كانت مديحة تزور جلالة الملكة في بعض المناسبات الوطنية . وفي إحدى الزيارات سمعت منها قصة الحادث الذي أودى بحياة الملك. قالت الملكة: "كنت جالسة في القصر فانطفأت الأنوار فجأة فيه . فاستفسرت عن السبب فسمعت بأن أحد العبيد الذي تربى في القصر الملكي يطلب النجدة ويقول : الحقونا , سيدي مصاب , حصل حادث للسيارة . قالت الملكة هذا والعبرات تكاد تخنقها . واسترسلت في الحديث قائلة : وركضت بكل قواي صوب الحادث فوجدت سيدي الملك (كما كانت تلقبه) وهو يلقبها (بستي الملكة) لقد وجدته ملقى والدم ينزف من رأسه.ووضعت يدي على قلبه فوجدته مايزا ل يخفق .وفي الحال طلبت إستحضار الأطباء في السرعة الممكنة . وكنت أهيب بالحاضرين أن يسعفوني بقطن وشاش عسى إن أتمكن من إيقاف النزيف . أما الذين كانوا من حولي فكل واحد مرتبك وحائر , ولايدري ماذا يعمل . وصرت أمسك بالجرح وأضغط علبه بكل شيء تقع عليه يدي. وكان الملك فاقد النطق . وكل شيء يدل على أنه فاقد للحياة سوى دقات قلبه ونظراته . وخلت الدقائق التي كنت أعيشها في تلك اللحظة العصيبة كأنها الأعوام الثقال قبل مجيء الأطباء . جاء الدكتور سندرسن والدكتور صائب شوكت وبعض رجال القصر , فأهبت بهم إن يعملوا لإنقاذ الملك. وبدئ بالكشف عليه وفحصه وبقوا واجمين . وبعد برهة أسلم الروح. وكان أحد الذين رافقوه في السيارة حيا , وقد أصيب بكسر في يده .وقد حد ثني عن كيفية وقوع الحادث فقال : عند عودة جلالة الملك من قصر الحارثية إلى قصر الزهور , أ دا ر محرك السيارة وانطلق بها بسرعة كبيرة - كما هي عادته دائما فكان إن اصطدمت بعمود كهربائي , فاستدارت حول نفسها ووقفت من شدة الصدمة . وكان الباب قد انفتح وانسد ثانية على يد العبد ولم يفق من شدة الألم , الا على منظر سيده الذي كان جالسا في مقعد القيادة والعمود نازل على رأسه ,والدم ينزف منه . وكان في السيارة شخص آخر وهو من البوليس –الحرس- لم يصب بسوء !!فهرع العبد وابلغ عن الحادث , وعن كل شيء شاهده بعينه." هذا ما روته جلالة الملكة عالية عن كيفية حدوث المصرع وهي تكبت الآلام والأحزان وتثير الشجون .
فيصل الثاني والإنكليز
تقول صاحبة المذكرات : "لدى خروجي من القصر قابلني –بالصدفة- الملك الطفل عائدا من نزهته مع مربيته . فتقدم مني وسألني عن ابني –المغيرة- وعما إذا شب وكبر لكي يلعب معه . وقد وعدته باني سأحضره معي في الزيارة القادمة فسر بذلك .
وقد سألني ثانية – وهو ينظر إلى سيارتي : - ما هي ماركة سيارتك يا مديحة هانم ؟ فأجبته : - إنها فوكسهول . فقال : - اني لم أسمع بهذه الماركة ولا أعرفها .فقلت له : - إنها ماركة إنكليزية. هنا تملكه الغضب وقال : - كيف تشترين سيارة إنكليزية ؟ أنا لا أحبها . ولما ذالاتشترين سيارة عربية؟ هنا سألته: - كيف تكون السيارة العربية ؟وماهي ماركتها .؟ فقال : - مثلا بيوك ، ناش , كريسلر. لا.لا.أنا لاأحب السيارة الإنكليزية . تقول صاحبة المذكرات : - كم كان سروري بهذا الحوار البسيط . وقد وعدته بتبد يل السيارة في المستقبل.
نوري السعيد والإنكليز
لقد وقع انقلاب بكر صدقي في سنة 1936 ضد حكومة ياسين الهاشمي فاستقالت الوزارة حقنا للدماء . وقد إغتال الانقلابيون جعفر العسكري وزير الدفاع الذي ذهب لملاقاة الجيش الزاحف إلى بغداد للوقوف على حقيقة الحركة. وقد إلتجأ ياسين الهاشمي وبعض وزرائه إلى سوريا, كما تم تسفير نوري السعيد , صهر جعفر العسكري إلى خارج العراق بعد أن هدد الإنكليز بكر صدقي وحذروه من مغبة قتل نوري باشا إذا ما حاول ذلك. ولم تشر صاحبة المذكرات إلى شخص آخر حظي بحماية الإنكليز غير نوري باشا ,على الرغم من أن الذي غادر البلاد بالإضافة إلى رئيس الوزراء ياسين الهاشمي أشخاص آخرون أمثال رشيد عالي الكيلاني وجميل المدفعي ومولود مخلص.
رشيد عالي وقادة حركة مايس
أشارت صاحبة المذكرات إلى مواقف سلبية كثيرة من رشيد عالي تجاه قادة حركة مايس وعوائلهم . ففي إ حدى زياراتها إلى دار الكيلاني في برلين وجدت رشيد عالي منهمكا في التهجم على يونس السبعاوي . فاستثارها الشتم والسب للرد عليه بحزم . وتعقب على ذلك بالقول : ولقد كشفت لي الأيام بعد هذا أن الكيلاني كان لا يتأخر عن شتمنا في كل مرة وفي كل مناسبة.
وفي ثنايا المذكرات مواقف سلبية أشد مما ذكر , وليس لقارئ المذكرات من مثلي أن يثبت أو ينفي , فالأمر متروك لمن ينبري للتحقيق ويملك أسبابه.
|