|
|
"النبي" أدونيس وفأرته أفلتا من مصيدة بهنام |
|
|
|
|
تاريخ النشر
10/05/2008 06:00 AM
|
|
|
يستنطق الباحث العراقي شوقي يوسف بهنام في كتابه «فأرة أدونيس» (مطبعة بيريفان ـــــ أربيل) نصوص الشاعر أدونيس، محاولاً أن يقدّم مقاربات سيكولوجية لخطابه الشعري. وهو هنا، لا ينشغل بالصورة الشعرية والجمالية للمفردة، أو بانسيابية الإيقاع، بل يرى أنّ الشعر عند أدونيس تجربةٌ قاسيةٌ، محرقة، قاسية للأنا، حارقة للآخر. يلجأ بهنام إلى النصوص ذاتها، يبحث فيها عن أسانيد لأطروحاته من دون أن يضع هذه النصوص في سياقها الزمني. أدونيس قلق لأنّه كتب قصيدة عنوانها «يا قلقي»، والقلق لديه محرّك يدفعه إلى تحقيق ما يصبو إليه! وهذا مفهوم أيضاً، لكنّ الباحث يذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أنّ «مهيار» يشعر بما يُسمّى «الأسى الشامل» Weltschmerz على حال الدنيا لما يكتنفها من أحزان، الأمر الذي يوقعه في براثن «عصاب الفراغ»... أو ما يسمّى الفراغ الوجودي. وهذا المصطلح في الحضارات الحديثة يعني الشعور بخلّو الأشياء من المعنى. ويرى الباحث أنّ أدونيس هو الأجدر أو الأصلح للإصابة بهذا العصاب، وخطابه الشعري مكتظ بهذه المعاناة. إلا أنّ الباحث يضيف أنّ أدونيس يمتلك أيضاً إحساساً بأنّه هو المنقذ أو البطل أو نوح الجديد. فهو دائماً يبحث في التاريخ عن رموز يتماهى معها، أو يرثي لها، أو يضعها في مراياه. ويرى أن مرايا أدونيس أو مراثيه الشعرية لم تكتب مصادفةً، أو نتيجة إلهام مفاجئ، بل كُتبت إثر دراسة معمّقة ورؤية اخترقت لاوعي المرآة. لكن ما هو مهم في هذا الإطار هو علاقات التماهي التي أقامها أدونيس ونسجها بين قيم خطابه وطموحاته من جهة، وقيم وطموحات هذا الأنموذج أو ذاك من جهة أخرى. يرى بهنام أنّ المشكّل الأساسي عند صاحب «مفرد بصيغة الجمع» هو حيرته، إذ لا يعرف إلى أين ينتمي أو لا يعرف طعم الانتماء، لكنّ أدونيس مختلف عن سواه بأن انتماءه قائم على اختياره. هو الذي يرفض قبل أن يكون مرفوضاً. هو ليس بالسماوي، لكنّه مهووس بالسماء، كأنّه من أولئك المرضى العقليين الذين يعتقدون بأنّهم من أصول إلهية أو أنّهم هبطوا من السماء. ومع ذلك، فالمؤلّف يتدارك الأمر ليضيف: «نحن لا نتّهم أدونيس بهذا الذهان، على الرغم من كون ذلك وارداً من ناحية الصحة النفسية، ولكنه علامة من علامات تهويل صورة الذات لديه. إن سماءه مليئة بالشياطين، ولا مكان فيها للملائكة. أما الإله، فهو ليس بخالق بل كائن ميت. وفي مكان آخر من الكتاب، يشعر أدونيس بنهم وجوع للغوص في مجاهل الذات... وذلك ناتج، حسب المؤلف، من الإعجاب المفرط بذاته حتى يصل إلى حالة تأليه الذات». هذا التأليه أدى به إلى تخيّل امتلاكه قدرات خارقة، تجعله مركزاً للعالم وتتوجه إليه الأنظار باعتباره النجم الأعظم. هناك شعور لدى أدونيس بالكلانية، بل والإطلاقية، وهو يعيش مفارقة الاستبصار. وهذه المفردة تستخدم في الطب النفسي ــــ يكتب شوقي يوسف بهنام ــــ على أنّها إدراك المريض للموقف، أي لكونه مريضاً. وبهذا المعنى، يكون مدركاً وواعياً للتناقض في مشاعره وفي تفكيره: عودة أدونيس مثلاً إلى أخناتون، في أحد نصوصه، جرت لأنّه يريد أن يعيد من جديد فكرة تأليه الشمس واعتبارها أصل الأشياء، ليعيش ما يسمّى النكوص المعرفي، بالعودة إلى بواكير الفكر البشري، ما يدل على أنّه لا يقتنع بما هو قائم من المفاهيم والتصوّرات والاعتقادات، ولكي يبرهن للآخر امتلاكه قدرات لا يمتلكها هذا الآخر. يُعلّق المؤلّف أيضاً على قصيدة لأدونيس بعنوان «مزمور»، يصف فيها رحلة متخيّلة قائلاً: «ألا يمكن مقارنة هذه الرحلة بنظرات «الذهاني» التائهة والشاردة، وقد تكون مثل نظرات ذهاني مصاب بالبارانويا، موهماً نفسه بأنه الوجود وليس من أحد في هذا الوجود». أما فأرة أدونيس التي يتخذها الكتاب عنواناً له، فهي تلك التي ذكرها في قصيدة له بعنوان: «مشروع لتغيير الأشياء»: أمس فأرة/ حفرت في رأسي الضائع حفرة/ ربما ترغب أن تسكن فيه/ كل تيه/ ربما ترغب أن تصبح فكرة». ويرى المؤلف أنّ هذه الجملة تدخل ضمن الأفكار التسلّطية أو الحوازية Obsession أو الوسواس، وفق ما يعرّفها عالم النفس المصري وليم الخولي بأنّها انحصار الشخص بفكر يوسوس له، أو انفعال معيّن يسيطر عليه ولا يستطيع طرده، رغم احتفاظ الشخص باستبصاره. وذلك ما قد يصبح لاحقاً فكرة ثابتة Fixed Idea. ويتذكّر المؤلف هنا تحليلاً قام به فرويد لحالة رجل أطلق عليه اسم «رجل الفئران»، هيمنت عليه أخيولة أن فئراناً تشق طريقها داخله. هكذا، تستمر أمراض أدونيس النفسية التي يدّعي شوقي بهنام أنّه يكشف عن عدد منها، في كل فصل من فصول كتابه، عبر اجتزاء النصوص أو تأويلها خارج سياقها الرؤيوي والزمني. بينما يتناسى أنّ المقولات والافتراضات المتعلّقة بعلم النفس ليست ثابتة، وما يراه هو صفة متأصّلة في الشخصية، يعدّه اتجاهٌ آخر عارضاً سطحياً أو آلية مؤقتة للتمويه على العالم الخارجي. كما أنّ شاعراً كأدونيس قد يتعمّد بث الكثير من المكائد والحيل اللغوية، أو المضمونية، ليضلّل قارئه، أو يبعده عن مقاصده الحقيقية، أو يجعل وصوله إلى ما يريد شاقاً... أشبه برحلة بحث عن الجمال واللذة لا يستطيعها الجميع. وأخيراً، يتناسى المؤلف أنّ دوافع الإبداع قد تكون، في بعض الأحيان، مرضاً متأصّلاً في الأعماق، أُخفيت مظاهره وعناصره الأوّلية بعناية... ومن العبث الادّعاء أنّ نصوصاً مهشّمة، أُعيد استنطاقها بعجالة ستكشف عنه. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ سعد هادي
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|