حظيت بعض مقالاتي باستفسارت وتسآؤلات ؛كنت قد اجبت سائليها مباشرة وذلك لمحدودية فحواها و أطرها ؛ اما الاسئلة التي وجدت من المناسب الاجابة عليها هنا ؛ فقد احتوت على جوانب عامة كان مـــــــــن الارجح تدوينها وتبيان ما تحتاج اليه من توضيح وعلى الوجه التالي :
المرأة التونسية س1 ـ وردني سؤالان من السيدة انصاف فوزي ـ مصر ـ ؛ والاستاذ عبد الله سليمان عواد ـ لبنان ـ يدوران حول مقالي الاخير ( المرأة ومسايرة روح العصر ) فتساءلت السيدة انصاف ( من يا ترى من النساء العربيات كن اوفر حظا في نيل حقوقها في الوقت الراهن ؛ أليست المرأة المصرية ؟) ؛ اما الاستاذ عواد فقد سأل ( هل تعتقد ان المرأة اللبنانية هي الاولى التي تقدمت كثيرا في مجال المساواة عن بقية النسوة العربيات ؟ وان لم يكن كذلك فمن هي ياترى ؟؛ وهل لديك امثلة على ذلك ؟) ؛ وحيث ان السؤالين يتطرقان الى جوهر الموضوع ذاته ؛ فإن اجابتي ستكون موحدة . ج 1 ـ كانت المرأة اللبنانية والى وقت قريب تعتبر الاوفر حظا في نيل حقوقها الاساسية وممارسة حرياتها في جوانب عدة من الحياة العامة ؛ ولكن بمراجعة تشريعية واجتماعية وتطبيقية ؛ نجد ان المرأة التونسية قد تجاوزت ذلك المضمار فقطعت شوطا بعيدا في مجال حقوق الانسان الذي اوصلها الى مرتبة متقدمة في المفهوم الدقيق الفعلي للمساواة وتفعيلها . في تشرين الاول من عام 1984؛ عقد في تونس مؤتمر للمحامين العرب ؛ وشكلت من خلاله لجان تعنى بدراسة جادة للقوانين التي يتوجب تعديلها او تبديلها على مستوى الوطن العربي ؛ وكان ان اشتركت في لجان تشريعية متعددة كان من اهمها لجنة قضايا( حقوق المرأة ) و(اعادة الصياغة ) التي عقدت جلساتها في مدينة سوسة : وذلك تتطور نصوصها مع ما يتماشى وتطلعات وأماني المجتمع المدني ؛ومن مراجعة جادة لمختلف القوانين الخاصة بتلك الحقوق لاحظت بان جل القوانين التونسية ذات الصلة كانت متقدمة التشريع عن غيرها في البلاد العربية الاخرى ؛ ومع ذلك فقد كان رجال القانون في تونس يجهدون انفسهم لكي يتواصل ذلك التطور من اجل تحديثها لكي توائم الاماني التي يطمح الى تحقيقها كل المجتمع هناك ؛ وحينما طرحت على طاولة البحث جملة من الاقتراحات بهذا الشأن وجد أكثرنا ان هناك صعوبة اجتماعية في تحقيقها على مستوى الوطن العربي ؛ واليوم ؛ حينما نراجع نصوص القوانين التونسية النافذة فعلا ومدى التطبيق العملي لها ؛ ندهش حقا ونحن نرى ان تلك الاماني قد تتحققت وان كثيرا من التطور الايجابي السريع في حقوق المرأة ... يأخذ طريقه طبقا لمواثيق حقوق الانسان التي أقرتها الهيئة الاممية وفروعها ومراكزها المختلفة .... ومن ذلك ما الخصه من امثلة تشريعية و تطبيقية مجتزأة جاءت بها نشريات وتعليقات وأدبيات تونسية ؛ توضح نزرا يسيرا من التقدم العصري الذي احرزته المرأة في نيل حقوقها المشروعة هناك : 1 ــ حقوق المرأة جزء من حقوق الانسان ولذلك ساوى قانون الاحوال الشخصية بين فئتي المجتمع في كل شيء دونما اي تمايز 2ــ لعل اهم الانجازات التشريعية في القانون الجنائي هو الغاء الفصل ( 207) من المجلة الجنائية الذي كان يعطي الزوج حق قتل زوجته وشريكها لاعتبارات الخيانة الزوجية . 3ــ منح المرأة حق التصرف باموالها دون اذن الزوج او الولي ... الخ ما دامت كاملة الاهلية . 4 ــ لعل الالتفات الى النساء المطلقات ورعايتهن ؛ كان من الصيغ التشريعية الانسانية المتقدمة ؛ ففي عام 1996 أقر في تونس ؛ ولاول مرة مبدأ اعطاء المرأة التونسية المطلقة المنحة العائلية المجزية التي تؤمن لها العيش الكريم . 5ـ تشكل المرأة نسبة 33% من اعضاء مجالس الولايات ؛ و25% من المجالس البلدية ومثلها تقريبا من المجالس الاقتصادية والاجتماعية 6ــ اما في مجلسي النواب والمستشارين من البرلمان ؛ فان لها تمثيلا يتعدى نسبة 20% من المجموع الكلي لاعضاء المجلسين وهي نسبة عالية اذا ما قورنت بالبرلمانات العربية الاخرى موقف لا ينسى س2 ـ من بين الرسائل التي وردتني حول مقالي ( يوم اعتقلنا في النادي الاولمبي ) المنشور في 11/2/ 2008 ؛ رسالة بعث بها عدنان طه رحيم ( معلم متقاعد )عراقي مقيم حاليا في استراليا يقول فيها : (......كنت أود نشر هذا السؤال في احدى وسائل الاعلام ؛ ولكن عدلت عن ذلك ونسبت ان ارسله اليك على ( ألاي ميل ) فقط لآني لا أريد ان اخوض كثيرا في تلك الاحداث المؤلمة التي جرت في شباط عام 1963 وما انتهت اليه من مآسي لنا و ولكم ؛ ولكن ما احببت الاستفسار عنه هو : لماذا اشرت فقط ـ الى شفيق الكمالي ـ بعد ان منحته صفة ( الشاعر ) باعتباره احد اعضاء اللجنة التي حضرت بعد اعتقالكم والتي اتضح من فحوى مقالتك ان اللجنة الاخيرة هذه هي التي رأفت بكم واطلقت سراحكم فورا من النادي الاولمبي ؛ في حين ـ وحسب علمي ـ كان في تلك الهيئة بالذات عدد آخر ـ غير الكمالي ـ وقد ساعدوا هم ايضا على حل تلك المشكلة المصيرية الحرجة ؟!! ). ج2 ـ بدءا انا لست ذلك الشخص الذي يمنح الآخرين صفاتهم الشعرية او غيرها ؛ ثم ان الكمالي ليس من الاشخاص الذين تغدق عليهم تلك الصفة جزافا ؛ فقد كان شاعرا معروفا وله دواوين مطبوعة ومتداولة ومنها ( رحيل الامطار ؛ وهموم مروان وحبيبته الفارعة ؛ وتنهدات الامير العربي)؛ فهل تجد أن من العدل اومن حقي ان أبعد عنه صفته الشعرية تلك ولتي هي جزء من مكوناته وموهبته المشهودة والمعلنة ؛ اما الامر الثاني المتعلق باعضاء اللجنة الآخرين ؛ فأن جهلي بهم ؛ لايعني نفي اسهامهم في اطلاق سراحنا ان كانوا قد أسهموا في ذلك فعلا ؛ وكل ما في الامر هو انني أشرت فقط ؛ وفي سياق الموضوع ؛ الى من عرفت من بينهم الا وهو المرحوم الشاعر شفيق الكمالي كأحد اعضائها الذين قرروا منحنا حريتنا . واذا ما حددنا كلامنا ضمن تلك الفترة الزمنية وحسب دونما اية اسقاطات تتجاوز وقتها ؛ عندها أستطيع القول باني لم اعرف المرحوم الكمالي في اطار تلك الواقعة وحسب ؛ بل انني اعرفه منذ عهد الصبا والدراسة والتجاور في جانب الكرخ ؛ تلك العلاقة التي تنامت على شواطئها الخمسينية بعدئذ رياحين القوافي وزنابق الادب . ان الشيء الجوهري الذي اود أن انهي به اجابتي اليك ؛ هو انه لا يجوز لنا ابدا إهما ل أي موقف فعلي شجاع تجلت فيه المروءة الانسانية كذاك الذي حدث معنا وانما يتوجب ذكره بكل امانة والاشادة به ؛ ليس من باب نشرالحقيقــــــة وحسب ؛ بل وارجاع الفضل الى ذويه أيضا : وهو ما يتوجب ان يفعله كل صاحب ضمير حي يتوخى الصدق فيما يكتب .
الازمنة المتحركة س3 ـ كتبت اليّ السيدة نوال عبد الرزاق محسن المقيمة حاليا في دمشق تقول ( قرأت في احدى المجلات ؛ موضوعا حول تداعيات الزمن في المسلسلات او ما يسمى بالرجوع الى الماضي او بتجاوزه الى غيره من الحاضر والمستقبل ؛ ولما عرضت هذا الموضوع على شقيقي الاستاذ صادق صاحب الباع الطويل والذاكرة الدقيقة في تاريخ الاعمال التلفزيونية ؛ أكد لي انه شاهد لك في القرن الماضي اعمالا درامية من تلفزيون بغداد بهرت الجمهوربدقة معلوماتها وتنقلات حوادث ابطالها بين ازمنة مختلفة ومتنوعة ؛ وباعتباري من المهتمات دراسيا بهذا اللون من الكتابة فقد رجعت الى أرشيف بعض الصحف والمواقع حيث أطلعت على مقالتك ( من مقدمات كتبي ـ نوابغ الفكر العراقي ـ المنشورة بتاريخ 1/ 12/2006 ؛ فاستفدت منها ؛ ولكن وجدت من الانسب الكتابة اليك للتفضل بتوضيح ما له علاقة بموضوع الازمنة المستخدمة في مثل هذا المجال مع جزيل الشكر . ج3 ــ ورد في قصاصة محفوظة في أرشيفي الخاص من جريـــدة ( كل شيْ ) العراقية الصادرة بتاريخ 7 /11/1966و في معرض اشادتها بالحلقة الاولى من عملي الدرامي ( نوابغ الفكر) ما نصـــه ( الكاتب الاديب ابراهيم صالح شكر يبعث حيا : نوابغ الفكر العربي في العراق يتألقون في برامج تلفزيونية : خالص عزمي يقول :حاولت اختراق الزمن لادخل صلب الحقيقة ... ) ثم يتطرق المقال الى ما يختص بهذا الموضوع حيث يقول (... لقد اجاب الاستاذ عزمي عن قدرته في تقريب الزمن الذي عاش به الكاتـــب ( بطل الحلقة ) الى الزمن الذي يتحدث به كاتب البرنامج فاوضح ـ لقد حاولت ان اقوم بعمليتين مختلفتين في آن واحد ؛ هي ان اظهر الواقع الحقيقي اولا وذلك بظهوري في التلفزيون شخصيا ؛ وان ابرز الواقع اللاحقيقي في نفس الوقت وذلك حينما قدمت الاستاذ ابراهيم صالح شكر وهو يتكلم بافكاره وآرائه ويعطي صفحة حياته كاملة في عام 1942وبذلك اسقطت من حساب التأليف ؛ الزمن الذي يربط بيني وبين الكاتب الكبير في ذلك اللقاء ؛ لاني هدفت من ذلك الوصول الى افكار الكاتب عن طريق شخصيته وهذه الافكار لايصرعها الزمن بالطبع ؛ حيث ان الالتقاء بها يتم في كل لحظة بغض النظر عن تفاوت الاعوام ) وبالرجوع الى مجموعة تلك الاعمال الدرامية التي قدمتها قبل اكثر من اربعين عاما ؛ أجد انني طبقت حركة الازمان غير الجامدة في مواقع كثر من اعمالي خاصة حينما جعلت اؤلئك النوابغ يتحدثون ؛ عن عهود مختلفة : منها الزمن الذي عاشوه ؛ والزمن الذي استمدوا منه ثقافتهم ؛ وازمان الاجداد الذين اخذوا عنهم بل وتطرقهم بتلقائية الى ازمان اخرى عديدة منها ما يرتبط بهم شخصيا ؛ او بالبعد الحضاري ؛ او التراثي الذي الذي نهلوا منه وما الى ذلك ؛ اضافة الى ابرازي لازمان اؤلئك النوابغ وهي تختلف بدورها من واحد الى آخر من حيث جذورها وروابطها وامتداداتها وتوزعها على فروع زمنية كثيرة كما في الشخصيات التي عالجتها والمشار اليها بأيجاز في مقدمتي التي أشرت أنت اليها في استفــسارك اعلاه ؛ مثل النوابغ ( الزهاوي ؛ الكرخي ؛ محمد باقر الشبيبي ؛ عزت الاعظمي ؛ الرصافي ؛ ابراهيم صالح شكر ؛ فهمي المدرس ... الخ ) . ومن هنا ترين بأنني جلت في ازمنة متنوعة ومتعددة ؛ وتنقلت في شجيراتها من دوحة زمنية الى اخرى وباسرع من دوران تلك الفترات ذاتها ؛ وهو ما عبرت عنه في حينه ( باختراق الزمن ) وكان يعني النفاذ الى داخله وتشظيته وتحويله الى عالم من مرايا الانعكاسات الزمنية كما كتبت وشوهدت عام 1966 . |