الرئيس جورج بوش يعيش في عالم غير الذي نعرفه، فهو أعلن من على متن حاملة الطائرات ابراهام لنكولن في 1/5/2003 أن «المهمة أنجزت»، وهو قال للجنود الأميركيين في فورت كامبل في آذار (مارس) 2004: «لأن أميركا وحليفاتها تدخلت فالعالم الآن يرى ارتفاع الديموقراطية في الشرق الأوسط». وهو في الشهر الماضي فقط، وتحديداً في 18/6، أجرى مؤتمراً عبر الفيديو مع زعماء العراق، قال الناطق الرئاسي توني سنو بعده أن الرئيس خرج بانطباعات إيجابية ومطمئناً Impressed and Reassured.
غير ان الرئيس نفسه اعترف قبل يومين في تقريره النصفي عن نتائج زيادة القوات الأميركية في العراق ان النتائج مختلطة، ومن أصل 18 شاهداً على الطريق، (بمعنى مطلب يجب تحقيقه) وضعها الكونغرس للعراق، كان النجاح محدوداً في بعضها، والفشل أكثره في النقاط التي طلب من الحكومة العراقية تحقيقها.
الحكومة العراقية فاشلة، غير ان الفشل الحقيقي هو فشل ادارة بوش التي تحاول الآن تحميل حكومة عاجزة أخطاءها.
أكتب كمواطن عربي يعتبر العراق بلده، مثل فلسطين أو لبنان أو مصر، واحتج بشدة على أن يكون الجدل الأميركي الحالي حول الانسحاب أو البقاء سببه ما يتعرض له الأميركيون من خسائر متزايدة في المواجهة مع المقاومة والارهابيين، وما كلفت الحرب الولايات المتحدة حتى الآن، فالرقم حتى الآن في حدود 400 بليون دولار، قد تزيد الى رقم خرافي بين ترليوني دولار وأربعة ترليونات بحساب نفقات الاعتناء بالجرحى من الجنود على مدى عقود مقبلة.
لم يطلب أحد من ادارة بوش الإنفاق على حرب أسبابها ملفقة بالكامل ضد بلد لم يكن شارك في أي ارهاب ضد الولايات المتحدة، ولم تكن له أي علاقة بالقاعدة. وأهم من ذلك ان هناك 3500 قتيل من الجنود الأميركيين، وأنا شخصياً أتمنى لو أنهم لم يرسلوا الى العراق ولم يموتوا، فكل موت جريمة ضد الإنسانية. غير أن هناك في المقابل مليون عراقي ماتوا في الحرب في شكل مباشر، أو لأسباب الحرب، والجدل الأميركي الحالي حول الانسحاب لا يكاد يذكر هؤلاء الضحايا، فكأن دمهم مباح لأنهم عرب ومسلمون.
الجدل الأميركي يتجاوز أيضاً استخدام القوات الأميركية قنابل عنقودية وأخرى فوسفورية، وقذائف تترك وراءها إشعاعات مؤذية. وهو يتجاوز الغارات الجوية التي تصيب دائماً المدنيين، ولا يحقق في مزاعم القوات الأميركية انها قتلت 20 ارهابياً من القاعدة، أو أربعين، فالأرجح ان قوات الاحتلال لا تعرف من سقط برصاصها، وهناك دائماً غالبية من المدنيين بين الضحايا.
مدرسة الصحة العامة في جامعة جون هوبكنز، وقبلها مجلة «لانست» الطبية البريطانية وعلماء بريطانيون، طرحوا رقم المليون ضحية في الحرب وثار جدل استمر يوماً أو أسبوعاً وخمد.
وإذا كان الموت لا يكفي، فهناك الآن مليونا لاجئ عراقي خارج بلادهم، ومليونا مشرد في داخلها، والهجرة الى الخارج في حدود مئة ألف في الشهر، على رغم إغلاق الأبواب، فلو سمح بالهجرة لما بقي أحد غير الأميركيين وعملائهم والقتلة.
على رغم تشريد العراقيين في داخل بلادهم وخارجها، لم تقبل الولايات المتحدة المسؤولة عن مصيبتهم سوى 535 لاجئاً، في حين أن أوروبا التي عارضت معظم دولها الحرب استضافت حتى الآن ألوف اللاجئين العراقيين.
هذا أيضاً شيء لا نسمع عنه. وقد فوجئت وأنا أتابع أخبار العراق ليل نهار بخبر الفضل فيه لجريدة «لوس انجليس تايمز» الراقية، فهي استخدمت قانون حرية المعلومات في الولايات المتحدة، واستطاعت أن تحصل على أرقام مذهلة لم أكن أعرف بها.
كلنا يعرف ان هناك حوالى 150 ألف جندي أميركي في العراق، غير أننا لم نسمع قبل جهد الجريدة الأميركية أن هناك 180 ألف «متعاقد»، بينهم 21 ألف أميركي و 118 ألف عراقي و 43 ألفاً من جنسيات مختلفة. وكثيرون من هؤلاء ينفذون أعمالاً ومهمات بتكليف من الاحتلال، غير أن بينهم عدداً كبيراً، ربما يتراوح بين 20 ألفاً و 40 ألفاً من المرتزقة، وهؤلاء مسلحون وقد استخدموا السلاح أحياناً، وتسببوا في مشاكل للقوات الأميركية والحكومة العراقية. ورقم «لوس انجليس تايمز» كان 10800 رجل يعملون لحوالى 20 شركة أمن مسجلة عند القيادة المركزية الأميركية. الا ان مصادر إضافية رفعت هذا الرقم أضعافاً. وقرأت ان سلطات الاحتلال أصدرت قراراً يمنح كل «المتعاقدين» حصانة من الملاحقة القانونية في المحاكم العراقية، أي انهم يستطيعون أن يقتلوا من دون أن يحاسبوا على القتل.
هذا هو العراق، ومؤشر الفساد الدولي وضعه مع أفغانستان، على رأس مجموعة الدول الفاشلة. وسيزداد الفشل والفساد حتى أيلول (سبتمبر) المقبل، كما ازداد تدريجاً في كل شهر سابق، ولا أعرف كيف سيبرر جورج بوش فشل زيادة القوات عندما يتناول الموضوع بعد شهرين، وانما أرجح أن يطلب مهلة أخرى ليلقي المشكلة على الرئيس القادم في النهاية.
في غضون ذلك، يدفع العراقيون ثمن جهل الرئيس وعدوانية عصابة الحرب وتواطؤ المنتفعين المحليين. |