يوم كنت واحدا منكم وعضوا مهما في حزبكم يا عزيزي أبا إسراء، وفور دخولنا العراق بعد التغيير، حذرتكم يومها من التحالف مع التيار، وأسمع اليوم منك كلاما عنهم قد قلته لكم عام 2003، لكنكم لم تسمعوا. كما وحذرتكم من إيران، واليوم تشخصون التخريب الإيراني اللئيم، كما وحذرتكم من الغلو في تسييس المرجعية، وستعترفون غدا بصحة هذه الرؤية. لا أدري كيف يبقى حزب عريق عبر عقود من الزمن يكرر نفس الخطأ، في التأخر القاتل في التشخيص، والتأخر المدمر بعد التشخيص باتخاذ الخطوة اللازمة. فهذه تجربتكم مع إيران ومع تورطكم مع الفكرة البائسة لولاية الفقيه، وهذه تجربتكم مع الحائري فقيه الدعوة لسنوات قاتلة، وتجربتكم مع الآصفي الناطق الرسمي لسنوات قاتلة أخرى، والآن كم ستطول تجربتكم يا ترى مع الائتلاف العراقي الموحد، هذا الائتلاف الأصولي الطائفي، وكم ستطول تجربتكم مع تحالفكم مع المجلس الأعلى، حتى تعوا خطأ كل ذلك، ومتى يعي الحزب أن الجعفري غدا ورطة له.
أذكرك عزيزي أبا إسراء، وأذكر بقية القياديين في الدعوة بما كنت أنبه إليه منذ عام 2003. فبعد سقوط الديكتاتورية كان لكم شرف السبق في دخول العراق، بينما دخلتُ شخصيا متأخرا، وذلك يوم 19/05/2003 بسبب حرصي على تكملة كتابي «مثلث الإسلام والديمقراطية والعلمانية»، وانشغالي بتهيئته، لأني كنت أشعر بأهميته في تلك المرحلة لنا كإسلاميين معتدلين، عندما كنت ما زلت إسلاميا، وأهميته للعراق في مرحلته الراهنة، وكنت خشيت أني لو دخلت العراق قبل الانتهاء من إعداد الكتاب لانشغلت عنه، ولبقي مشروعا مؤجلا. وفور دخولي نبهتكم إلى خطأ تلك الپوسترات التي صورت حزب الدعوة والتيار الصدري وكأنهما تيار واحد، حيث حملت الپوسترات صورتي الصدرين، وحملت شعار «خط الصدرين». ثم أتذكرون يوم اجتمعنا في المنصور، حيث جرى كلام عن العلاقة مع التيار، وقلت كلمتي التي امتعض منها الجعفري قائلا مجاملا «أشكر الشيخ أبو آمنة على صراحته»، وشكره كان كما أعرفه تعبيرا مؤدبا عن الامتعاض، ولأني ذكرتكم بممارسة كانت تجري يوم شخصنا كل سلبيات وأخطاء التجربة الإيرانية، حيث بقي البعض منا طوال الثمانينات يدافع عن الدولة الشرعية، بالرغم أن جل العراقيين كانوا مصابين بخيبة أمل كبيرة من التجربة البائسة، والتي كتبت حينها مقالتي التلميحية «بين نقاء النظرية وشوائب التجربة» في جريدة الحزب الصادرة في طهران «الجهاد»، وقبل صدور«الموقف» الدمشقية و«صوت العراق» اللندنية، وقلت لكم في اجتماعنا ذاك في المنصور، واليوم ترتكبون نفس الخطأ وتدافعون عن الصدريين كونهم أبنائنا، ولكون الجعفري كان من أكثر من يشعر بأن تدينه وتكليفه الشرعي يلزمانه بالتغطية على أخطاء الإيرانيين لاسيما تجاه القضية العراقية، فلم يرتح لكلامي هذا، إذ أحس أنه قد يكون موجها له، وها هو اليوم يدعو إلى احتضان أبنائه هؤلاء. كان البعض منكم يقول لي في الفترة حتى 2005 بأني أسبح ضد التيار، أو أغرد خارج السرب، واليوم أسمعك تردد ما قلته لكم آنذاك. فكم ستحتاجون من السنوات لتعوا أهمية التصريح بالدور التخريبي لإيران، وكم ستحتاجون لتدركوا خطأ إقحام المرجعية في الشأن السياسي، أبنائنا وجماعتكم تهتف اليوم في كربلاء «تاج على الراس علي السيستاني»، الذي صدره لكم المجلس، وبعد كم من السنوات ستفهمون خطأ دخولكم في قائمة طائفية، لأن هذا ليس ثوبكم. أو هل أقول بدلا «من متى تعون» و«متى تدركون»: «متى تملكون الشجاعة لتفصحوا عما شخصتم وأدركتم؟». إني لا أعاتبكم كحزب، كوني حريصا على هذا الحزب كما كنت في السابق، لأني لم أعد أنتسب ليس فقط تنظيميا، بل أيضا فكريا له، ولكني أقول ذلك حرصا على العراق الذي هو أعز عليّ من حزبكم، وأحب إليّ من المشروع السياسي الشيعي، ومن المشروع السياسي المرجعي، وغيرهما. أتذكر يا أبا إسراء كم تأذينا يوم كنا - عذرا - متخلفين من طرح المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، عندما نصح الإسلاميين الشيعة أن يتركوا العمل السياسي، وكم تبين اليوم صحة طرحه، لأننا يا إخواننا إما أن نكون سياسيين، فلا معنى عندها لأن نكون إسلاميين أو تشيعيين، وإما أن نكون وعاظا ودعاة للدين، فيذهب الوعاظ إلى حيث منبر الوعظ، ويبقى السياسيون في ميادين العمل السياسي يخدمون عموم الشعب العراقي ويعملون على حل مشاكله وتلبية احتياجاته، وحل مشاكل الشعب وتلبية احتياجاته لا يكون بالرجوع إلى رسالة عملية لأحد المراجع، ولا بالرجوع إلى كتب التفسير، أو كتب علم الكلام، أو كتب أصول الفقه، أو علم الرجال أو علم الحديث أو المنطق أو كتب اللغة، بل نجد كل ذلك في التجربة الإنسانية الثرية، فتسييس الدين بدعة لا علاقة لها لا بالدين ولا بالسياسة، أم أصبح مشروعُ مشروعَ سلطة ليس إلا. بينما ما زال موقع الحزب على الإنترنت أقرب إلى أن يكون موقع منظمة وعظ ديني منه حزبا سياسيا. إذن كونوا وعاظا واتركوا السياسة للسياسيين، أو كونوا سياسيين ووطنيين واتركوا استخدام الرموز الدينية والمذهبية لمجالاتها التي السياسة بكل تأكيد ليست منها. السياسة لا تحتاج إلى لحية شرعية، ولا إلى تختم باليمين، ولا إلى عمامة، ولا إلى توشح بالسواد وحجاب متشدد مع التحنك. السياسة تحتاج إلى كفاءة ونزاهة ووطنية وإنسانية وصدق. وإني عندما أخاطر وأتحدث بصراحة أكثر من ذي قبل عن التيار الصدري، وكذلك عن المجلس الأعلى، وعن المرجعية، فهذا لا يعني أننا يجب نمارس ما هو خارج عن الدستور وحقوق الإنسان، بل نريد دولة القانون وسيادة القانون، ونأمل أن يرجع أبناء هذا الخط إلى رشدهم وينزعوا السلاح، الذي لا بد من نزعه من المجلس وبدر والفضيلة كذلك، وألا نزن بمعايير متفاوتة.
ثم إلى متى لا تدان إيران في دورها التخريبي في العراق؟ هل من المعقول أن يطالب قيادي إسلامي بتعويض العراق لإيران، وسفير العراق في الأمم المتحدة المنتمي إلى حزب هذا القيادي يحاول أن يغيب الوثائق التي تحمل إيران مسؤولية الحرب للسنوات الست الأخيرة، بينما يتحمل النظام السابق مسؤوليتها للسنتين الأوليين؟ هل من المعقول أن البرلمانيين العراقيين الإسلاميين الشيعة لا يضمون أصواتهم إلى أصوات بقية الدول العربية بالمطالبة بحق دولة عربية هي الإمارات بجزرها الثلاث المحتلة من قوى الاحتلال الإيراني الغاشم؟ هل من الطبيعي أن يصطف العراق مع إيران ضد مطالب الدول العربية باسترجاع حق عربي؟ ثم أنتم ترون أن الأسلحة الحديثة المستخدمة من عناصر التخريب في العراق هي أسلحة إيرانية المنشأ وحديثة الصنع. حتى لو بقيتم تتعاملون سياسيا كشيعة، ولو إني أدين كل من يسيس الانتماء المذهبي، أفلا ترون كم هو الضرر الإيراني على شيعة العراق خاصة، وعلى عموم العراق وشعبه وأمنه واستقراره وقضاياه الوطنية؟
كل المؤشرات تشير إلى أن الانتساب إلى هذا الائتلاف يمثل وصمة غير مشرفة لكل من ينتسب إليه، ولذا فعلى الذين يحترمون أنفسهم، ويريدون أن يحفظوا لأنفسهم ثمة رصيد وطني في ذاكرة الشعب العراقي، ويحملون حسا وطنيا، أن يملكوا الشجاعة بإعادة النظر في هذا الاصطفاف الطائفي غير المشرف والمدمر لقضايا الوطن. |