|
|
عن مقهى حوار : لن تكون حربٌ في مقهى |
|
|
|
|
تاريخ النشر
11/03/2008 06:00 AM
|
|
|
صار افتتاح مقهى للمثقفين في بغداد خبراً يتصدر وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، وربما مناسبة للعديد من الكتاب يسنون فيها أقلامهم لتدبيج مقالة، وللصحافيين لكتابة تحقيق، وللمصورين للتسابق على لقطة الموسم. إنه مقهى. صحيح. لكنه مقهى في بغداد، اليوم، بغداد الغارقة في رائحة البارود والجثث. إنه مقهى وحسب، لكنه علامة فاصلة، وعَلَم نقرأ في ألوانه رموز مرحلة جديدة. المقهى هنا خبر يتخطى أسماء الرواد، ونوع الطاولات والمقاعد التي تملأ الزوايا. هو خبر عن صحة بغداد أولاً، وصحة الثقافة والمثقفين في العراق. خبر مميز بين أخبار العراق اليومية المكتظة بمنابر القتلة. مقهى «حوار». هذا اسمه. لكنه اسم مستهجن في شوارع بغداد، الصاخبة بصراع من نوع آخر: ناراً لنار، وطائفة لطائفة، وعشيرة لعشيرة، وقومية لأخرى. وشتان بين صراع أحمر وحوار مكلل بالحياة. المقهى، الذي أقيم إلى جانب صالة عرض تشكيلية، وبالقرب من أكاديمية الفنون الجميلة في الوزيرية، يستعيد حقبة سابقة، أو يذكر بتلك الحقبة التي كانت تضج فيها المقاهي بأجيال مثقفي العراق، قبل أن تتوزعهم عواصم العالم، هاربين من جور دكتاتور، أو من سلاح محتل غاصب. المقهى حياة جديدة في بغداد. صورة جديدة لها. متنفس لمن تبقى من المثقفين الذين رفضوا النزوح والهرب، أو الذين فضّلوا البقاء في بيوتهم وأرضهم وتحت شمسهم. خبر افتتاح مقهى «حوار»، بحد ذاته، تشويش على الانفجارات والعمليات الانتحارية والعبوات والمداهمات وقطع الطرق. بل هو حوار ضدها، حوار ضد الحرب وضد الاحتلال، وضد الإرهاب، وضد المتاجرة بالأرواح والجثث والدماء البريئة. لكنه في أي حال حوار المثقفين وحدهم، الفنانين في فنهم، الشعراء في شعرهم المفكرين في فكرهم. حوار لا يشعل ناراً بل يوقد ذاكرة وعقلاً وأفكاراً وخيالات. هذا المقهى.. قد يكون ثمرة حرب المثقفين على الحرب، ثمرة صمودهم، لكنه في أي حال من الأحوال سوف يشهد ما تشهده ساحات المثقفين العراقيين من سجالات حامية. لن يكون مقهى مثقفين بعيداً عن الانقسامات الموجودة والتشققات التي تؤلم الجسد العراقي. هل يستطيع مقهى يحمل همّ الحوار وعنوانه، أن يبقى بمنأى عن صراع التكتلات الثقافية، التي تصنف المثقف بحسب تاريخ خروجه من وطنه: زمن صدام أو زمن الاحتلال؟ وبحسب جيله، وقوميته؟ لا ينضبط المقهى على كفتي ميزان بالطبع، ولا على حرارة مئوية محددة في السجال، ولا على تيار أو مذهب. لو أن للمثقفين أكثر من مقهى في بغداد، لانقسموا ربما بحسب الأهواء والميول، إلا أن مقهى واحداً قد يكون مدرسة حوار، ومدرسة صبر وقبول للمثقف الآخر، أو ملجأ يتقاسمون فيه سبل الحياة. ولا عجب، بعد، أن يرتفع الصوت وينخفض في المقهى، وأن تتعود آذان المستمعين على سلم الأصوات والانفعالات. ولا بأس فمهما يكن، لن تكون حربٌ في مقهى، ما دام قبلة المثقفين لا قطّاع الطرق. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ احمد بزون
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|