بوش وبلير ينسقان معا خطط الحرب
في الرابع من شباط/ فبراير2003 التقى رئيس الوزراء البريطاني [توني بلير] بالرئيس الأمريكي [ جورج بوش] في البيت الأبيض، وكان الاجتماع قد جرى إعداده للتنسيق بين الولايات المتحدة وبريطانياً، ووضع اللمسات الأخيرة على خطة الحرب على العراق. وقد أكد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير للرئيس جورج بوش في ذلك اللقاء أن بريطانيا تقف بصلابة وراء خطط الولايات المتحدة لغزو العراق حتى قبل إجراء أية مشاورات حول شرعية الغزو، وبالرغم من عدم وجود قرار ثان من مجلس الأمن يخولهم ذلك. فقد كشفت مذكرة الاجتماع الذي استغرق ساعتين بينهما أن الرئيس الأمريكي بوش قد أوضّحَ لرئيس الوزراء البريطاني بلير بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة عازمة على غزو العراق، سواء كان هناك قرار دولي ثان أم لا، بل وحتى ولو لم يتمكن مفتشو الأمم المتحدة من العثور على أي دليل يؤكد وجود برنامج لأسلحةالدمار الشامل في العراق، وأضاف الرئيس بوش: {يتعين أن تتركز الاستراتيجية الدبلوماسية حول التخطيط العسكري الآن}. ولم يعترض رئيس الحكومة البريطانية بلير على ذلك، بل ونُقل عنه القول انه يقف بصلابة مع الرئيس، وانه على استعداد للقيام بأي شيء لنزع أسلحة صدام.(6) . جاء هذا الكشف في الحقيقة من خلال طبعة جديدة لكتاب بعنوان [عالم بلا قانون] وضعه البروفسور[فيليب ساندز] أستاذ القانون الدولي في الكلية الجامعية بلندن، وكان ساندز قد سلط في العالم الماضي الأضواء على الشكوك التي راودت محامي وزارة الخارجية البريطانية حول قانونية الغزو، مما اضطر رئيس الحكومة البريطانية لنشر فحوى المشورة القانونية التي كان قدمها له المدعي العام اللورد[غولد سميث]،وقد كشفت المذكرة التي اطلع عليها البروفسورساندز النقاط التالية: . 1ـ قول الرئيس بوش لتوني بلير، أن الولايات المتحدة قلقة جدا من احتمال الفشل في العثور على دليل قوي ضد صدام لدرجة تفكر معها بإرسال طائرات استطلاع من طراز[U2] مصبوغة بألوان الأمم المتحدة للتحليق في أجواء العراق تحت حماية المقاتلات الأمريكية، وإنها أي الولايات المتحدة ستعتبر صدام منتهكا لقرارات الأمم المتحدة إذا أمر بفتح النار على تلك الطائرات. . 2ـ عبر الرئيس بوش عن الأمل في انتزاع منشق على النظام العراقي من اجل التحدث علنا حول أسلحة الدمار الشامل الموجودة لدى صدام.
3ـ ابلغ بلير الرئيس بوش أن إصدار قرار دولي ثاني من الأمم المتحدة من شأنه أن يشكل ضمانا سياسيا يؤمن الغطاء الدولي في حال تعقدت الحملة العسكرية، أو إذا ما زاد صدام الأخطار بإشعال النار في أنابيب النفط، أو قتل الأطفال، أو إحداث انقسامات داخلية خطيرة في العراق. 4ـ أعرب بوش عن اعتقاده لرئيس الحكومة البريطانية انه لا يرجح اندلاع حرب ضروس بين مختلف المجموعات الدينية والعرقية في العراق، وقد أثبتت الوقائع بعد الحرب ليس فقد خطأ هذا الاستنتاج، بل وقوع كارثة الحرب الطائفية في البلاد التي يشهدها العراق اليوم عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي تنقل الأحداث بلحضاتها حول العالم.
5 ـ أن بلير أعلن عن استعداده لدعم خطط الرئيس الأمريكي في خوض الحرب ضد العراق حتى في غياب قرار ثاني من الأمم المتحدة يتعارض مع التأكيدات التي كان قد قطعها بلير على نفسه أمام أعضاء البرلمان البريطاني بعد ذلك. (7) وجدير بالذكر أن بلير كان قد أبلغ مجلس العموم البريطاني في الخامس والعشرين من شباط/ فبراير عام 2003، أي بعد ثلاثة أسابيع من رحلته إلى واشنطن، أن الحكومة البريطانية ستمنح صدام فرصته الأخيرة لنزع أسلحته طواعية، حيث ورد في خطابه أمام المجلس قائلاً : {إننا حتى هذه الساعة نعرض على صدام خيار نزع أسلحته طواعية من خلال الأمم المتحدة، ورغم أني أمقت نظامه، وآمل أن يفعل معظم الناس ذلك، لكن بإمكانه إنقاذ هذا النظام الآن، وذلك بالانصياع لمطلب الأمم المتحدة، ونحن ما نزال مستعدون لاتخاذ خطوة إضافية أخرى لتحقيق نزع السلاح سلميا}. (8) وفي الثامن عشر من آذار/ مارس 2003، أي قبل التصويت الحاسم على الحرب، أبلغ بلير البرلمان البريطاني قائلا : {يتعين أن تكون الأمم المتحدة محور الدبلوماسية والعمل}. (9) ومعروف أن الاجتماع بين بوش وبلير جاء في وقت تنامى فيه القلق لدى الجانبين الأمريكي والبريطاني حول الفشل في إيجاد أية معلومات موثوقة تعزز التقارير التي كانت تشير إلى أن صدام كان ما يزال يمتلك أو ينتج أسلحة دمار شامل، وينتهك بذلك التزاماته الدولية. وكان قد جرى ذلك الاجتماع قبل أيام قليلة من إلقاء وزير الخارجية الأمريكية [كولن باول] خطابه الشهير أمام مجلس الأمن، وعرض خلاله بشكل دراماتيكي صورا لبرنامج أسلحة العراق. بيد أن[ جاك سترو] وزير الخارجية البريطاني كان قد أعرب في وقت سابق في كانون الثاني/يناير 2003 عن قلقه من عدم وجود دليل ثابت في هذه القضية وذلك في مذكرة خاصة رفعها إلى بلير جاء فيها: {آمل أن يتمكن رئيس مفتشي الأسلحة في العراق [هانز بليكس] من العثور على دليل قوي يكفي لاتهام العراق بخرق التزاماته الدولية}. (10)
تواصل التحشيد العسكري الأمريكي البريطاني: في بداية العام 2003 بدأت تتصاعد الجهود المحمومة للولايات المتحدة بالتعاون مع بريطانيا لحشد القوات والأساطيل المجهزة بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية، استعداداً لشن هجوم واسع النطاق على العراق مبررين ذلك بعدم التزام نظام صدام الدكتاتوري بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتدمير أسلحة الدمار الشامل، مما جعل الشعب العراقي رهينة ذلك النظام الاستبدادي من جهة، والسياسة العدوانية الأمريكية التي تحاول إيجاد الذرائع للهجوم المرتقب من جهة أخرى، دون الاكتراث بما ستسببه الحرب من كوارث خطيرة لا يمكن تحديد مداها، وبكل تأكيد فأن الضحية هو الشعب العراقي المغلوب على أمره . كان إصرار الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية الغاشمة بحجة إجبار صدام حسين على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة القاضية بتدمير أسلحة الدمار الشامل، التي كانوا هم مَنْ جهزوه بها ليستخدمها في الحرب ضد إيران، وبالنيابة عنها، تلك الحرب التي استمرت 8 سنوات والتي وصفها وزير الخارجية الأمريكية آنذاك [هنري كيسنجر] قائلاً : {أنها أول حرب في التاريخ أردناها أن تستمر أطول مدة ممكنة، ولا يخرج منها أحد منتصرا}. وهكذا دفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً من أرواح أبنائه التي جاوز تعداد ضحاياها أكثر من نصف مليون ضابط وجندي، ناهيك عن مليون معوق، وأكثر من هذا العدد من الأيتام والأرامل، وبات أكثر من نصف سكان العراق تحت خط الفقر حسب تقديرات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الانهيار الخطير للبنية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والخدماتية. وخرج صدام من حربه المجنونة تلك يمتلك جيشاً جراراً، واقتصادا منهاراً، فكان قراره في احتلال الكويت لكي يستطيع بموارده النفطية تعويض خسائر الحرب والديون الثقيلة بعشرات المليارت من الدولارات. وكان لابد للولايات المتحدة أن تصفي أسلحة العراق التي باتت تهدد مصالحها في الخليج، وقد وجدت أن السبيل إلى ذلك هو نصب فخ لصدام، ومهدت له السبيل لغزوا الكويت، لكي تتخذ من ذلك ذريعة لسحق جيشه وتدمير أسلحته ، بل ولتدمير كل مرافق العراق الاقتصادية والخدمية، وفرض الحصار الجائر على شعب العراق دون صدام وأركان حكمه وحاشيته وعشيرته، ذلك الحصار الذي دام 13 عاماً عجافاً أذاق خلاله الشعب العراقي مرارة الفقر والجوع والإذلال الذي لم يشهد مثيلاً له من قبل إلا على عهد الاستعمار العثماني أبان الحرب العالمية الأولى، وهكذا وجدنا الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب يرفض توجيه تحذير لصدام من مغبة غزو الكويت، بل كان ينتظر بفارغ الصبر ساعة بدء الغزو الذي ظنه صدام بمثابة المكافئة الأمريكية على حربه ضد إيران بالنيابة عنها، كما أوحت له السفيرة الأمريكية في العراق [ كلاسبي] خلال اللقاء الذي جرى بينهما، وظنه الكارت الأخضر لغزو الكويت واحتلاله. وحاول الرئيس بوش الأبن أن يبرر الحرب الجديدة [ حرب الخليج الثالثة] بعطفه الشديد على حقوق وحريات الشعب العراقي، وتخليصه من طغيان نظام صدام حسين، حين أطلق عليها [ حرب تحرير الشعب العراقي]!!. ولو كانت الإدارة الأمريكية صادقة في دعواها لتحرير شعب العراق من الطغيان لاتخذت من مجلس الأمن سبيلاً لفرض مطالبها على النظام العراقي بالتعاون مع بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي، و لأصدرت القرار رقم 688 المتعلق بحقوق وحريات الشعب المهضومة من قبل نظام صدام خلال 35 عاماً كالحة السواد، تحت البند السابع، أسوة بكل القرارات التي أصدرها مجلس الأمن ضد العراق، باستثناء ذلك القرار الذي تجاهله صدام ونظامه ما دام غير ملزم التنفيذ. ولو كانت الإدارة الأمريكية حريصة حقاً على الشعب العراقي وحقوقه وحرياته لما سكتت عن جرائم النظام الصدامي باستخدام الأسلحة الكيماوية ضده وشمال وجنوب البلاد، والأسلحة البيولوجية ضد السجناء السياسيين المعارضين لنظام صدام القمعي، وتجاهلها لسنوات طويلة، فقد كان صدام آنذاك يحارب إيران نيابة عنها. لكن الولايات المتحدة أرادت أن تنفرد في إجراءاتها ضد العراق، بعد أن رفضت الدول الكبرى الثلاث اللجوء إلى القوة العسكرية ضد العراق، مدعية أن لديها تخويل من مجلس الأمن، وهو أدعاء باطل بطبيعة الحال ولا أساس له من الصحة. كان معروفاً أن هناك دوافع لدى الإدارة الأمريكية لشن الحرب على العراق، وهي بالطبع لا تخفى على العارفين بخبايا السياسة الأمريكية، وراء تحمس إدارة الرئيس بوش لضرب العراق، والتي كانت تبغي من خلالها تحقيق مصالحها الاستراتيجية في منطقة الخليج الطافية على بحيرة كبرى من النفط، وقد أراد الرئيس بوش من خلال هذه الحرب أن يثبت للعالم أن الولايات المتحدة قد غدت القوة العظمى الوحيدة في العالم اجمع، ودون منازع ، وأن ليس هناك من يستطيع الوقوف أمامها. وفي الوقت نفسه أرادت الإدارة الأمريكية التخلص من نظام صدام هذه المرة، وإقامة نظام بديل يلبي مطامح ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج، ولا يسبب لها القلق لفترة زمنية طويلة. ولاسيما بعد أن أخذ النظام العراقي يسعى بكل جهده بعد حرب الخليج الثانية إلى تحسين علاقاته مع سوريا من جهة، ومع إيران من جهة أخرى، فقد أجرى النظام العراقي لقاءات ومحادثات مع الجانبين الإيراني والسوري استهدفت تطبيع العلاقات معهما. ولاشك أن الولايات المتحدة لا تنظر بعين الرضا والارتياح لهذا التطور في العلاقات بين هذه الدول، والذي يهدد الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، وتعتبرالنظام القائم فيها خطراً على أمن المنطقة، والخليج بوجه خاص، وحيث أن إسرائيل لازالت تحتل الجولان السورية، والضفة الغربية وغزة في فلسطين، ومزارع شبعا في لبنان، فأن التوتر سيبقى مستمراً في المنطقة، وأن قيام أي نوع من التعاون والتحالف بين سوريا والعراق وإيران في المستقبل يهدد المصالح الأمريكية من جهة، وأمن إسرائيل من جهة أخرى، وعليه فإن الولايات المتحدة وإسرائيل اللتان تحسبان ألف حساب لمثل هذا التقارب بين هذه البلدان التي تطلق عليهم الولايات المتحدة تسمية [دول الشر]لابد أن تعملا بكل طاقاتهما لمنع مثل هذا التحالف، وإن إسقاط نظام صدام حسين المكروه من الشعب، والإتيان بنظام بديل موالي للولايات المتحدة يحول دون قيام حلف بين الأطراف الثلاثة، و يلبي ويحفظ المصالح الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة. كما إن إسقاط النظام العراقي من قبل الولايات المتحدة يعني فرض هيمنتها التامة على العراق، وهذا بدوره سوف يعني حرمان روسيا وفرنسا والصين من العقود الاقتصادية والنفطية التي سبق أن وقعتها مع النظام العراقي، وتجييرها لصالحها، ولذلك وجدنا إن هناك معارضة قوية للحرب ليس من جانب روسيا والصين فحسب، بل حتى من جانب الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، وفي مقدمتهم فرنسا والمانيا وتركيا والعديد من الدول الأوربية الأخرى، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية. وهذا ما أكده الرئيس الروسي [فلادمير بوتين] بخطابه في مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية في الحادي عشر من شباط 2007 والذي وجه فيه اتهامه للولايات المتحدة قائلاً: {أن الولايات المتحدة تنشئ، أو تحاول إنشاء، عالم [وحيد القطبية]}. ثم عاد وفسر بوتين ما تعنيه هذه التسمية قائلاً : {ماذا يعني عالم وحيد القطبية؟ بصرف النظر عن محاولاتنا لتجميل تلك العبارة، فإنها تعني العالم الذي يرتكزعلى وجود قوة واحدة تتحكم فيه، وتعني أيضا عالم له سيد واحد فقط، وإن هذه التركيبة أدت إلى كارثة، مضيفاً أن الولايات المتحدة قد تجاوزت حدودها الوطنية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، بل وفرضت نفسها على الدول الأخرى. إن الحروب الأهلية والإقليمية لم تتتوقف ، بل على العكس تصاعدت في مختلف المناطق من العالم ، كما أن عدد الناس الذين يقتلون بسببها لم يقل بل هو في ازدياد وتصاعد مستمر. إننا لا نرى أي نوع من التعقل في استخدام القوة، بل نرى استخداما مستديما ومفرطا للقوة، وأضاف أن الولايات المتحدة قد خرجت من صراع لتدخل صراع آخر دون تحقيق أي حل شامل لأي منهم }. .. وبحضور وزير الدفاع الأمريكي الجديد [روبرت جيتس] وعدد من نواب الكونجرس، دعا بوتين أمامهم إلى إعادة هيكلة نظام الأمن الدولي القائم حاليا بأكمله. وقد وصف الأمين العام لمنظمة دول حلف شمال الأطلنطي الناتو[ جاب دي هوب شيفر] خطاب الرئيس بوتين بأنه مخيب للآمال وغير مجدي. ( 12) أما السناتور الجمهوري الأمريكي [جون ماكين] المرشح الرئاسي المنتظر عن الحزب الجمهوري فقد رد بعنف على خطاب الرئيس بوتين قائلاً: . {إن عالم اليوم ليس وحيد القطبية، وأن روسيا الاستبداديةّّ هي التي تحتاج إلى تغيير في سلوكها، وأضاف قائلاً إن على موسكو أن تفهم أنها لا تستطيع أن تتمتع بمشاركة حقيقية مع الغرب طالما أن أفعالها في الداخل وفي الخارج تتعارض بشكل أساسي مع لب قيم الديمقراطيات اليورو- أطلسية. وادعى جون ماكين أن عالم اليوم هو بالفعل عالم متعدد الأقطاب، ولا يوجد مكان للمواجهات العديمة الجدوى، لذا أتمنى أن يفهم الزعماء الروس هذه الحقيقة}!!. ( 13 ) وبعد هذه المواجهة الكلامية بين بوتين وماكين تحدث بعض المشاركين في المؤتمر عن قيام حرب باردة جديدة، لكن البعض الآخر قللوا من أهمية ما حدث، وقالوا إن خطاب بوتين يعد أحد الحركات التي دأبت روسيا على اتخاذها بصفة دورية للتعبير عن سخطها من تلاشي دورها الكبير الذي كانت تلعبه في الخريطة السياسية للعالم. وهكذا فإن الوضع الحالي للعلاقة الأمريكية الروسية يسبب لها أشد القلق، ويجعلها تحسب ألف حساب للمستقبل، وهي لذلك عملت ولا تزال بأقصى جهدها ليس فقط لإبعاد روسيا عن العراق ومنطقة الخليج، بل ولتطويقها، ومد حلف الأطلسي إلى عقر دارها، حيث سعت إلى ضم دول أوربا الشرقية أعضاء [حلف وارشو] والتي كانت تعرف بالمعسكر الاشتراكي، بل لقد تجاوزت ذلك إلى العمل على ضم الدول التي استقلت عن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مثل أوكرانيا وجورجيا ، وجمهوريات أسيا الوسطى.
صحيح أن الشعب العراقي كان يتمنى الخلاص من نظام الدكتاتور صدام حسين القمعي المستبد، إلا أنه كان ينتابه القلق الشديد على مصيره ومصير العراق من نتائج الحرب إن وقعت، حيث لا يستطيع أحد تقدير نتائجها الكارثية ليس على العراق فحسب، بل على العالم العربي، وسائر دول العالم الأخرى، فالحرب بطبيعة الحال لا تعني سوى الخراب والدمار والضحايا والدماء، والاحتلال الذي لا يمكن تحديد مداه. وبعد كل هذا فأن كل المدركين الحريصين على مصالح العراق وشعبه كانوا يطمحون أن يجري تغيير النظام الصدامي على أيدي الشعب والجيش العراقي بعيداً عن التهديدات الحربية الأمريكية وهيمنتها ووصايتها، فقد كفى الشعب العراقي ما تحمل من حروب وويلات ومآسي على أيدي هذا النظام الدكتاتوري الفاشي، وعلى أيدي المعتدين الإمبرياليين الطامعين في ثروات البلاد عبر ما يقارب الأربعة عقود. لكن نتائج تلك الحرب على العكس مما وعد الرئيس الأمريكي بوش الشعب العراق في خطابه الذي وجهه للعراق بوجه خاص، وللعالم بوجه عام ، وما عبر عنه كل الحريصين على مصالح الشعب والوطن من قلق شديد على المصير الذي ينتظر العراقيين من الحرب التي كانت تستعد لها الولايات المتحدة وبريطانيا كان صحيحاً وفي محله، ولقد كتبتُ العديد من المقالات قبل نشوب الحرب، وكنت معارضاً لها، وحذرت من نتائجها الكارثية، وطالبت بإصدار قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع يلزم صدام بإجراء إصلاحات ديمقراطية في البلاد، وإلغاء القوانين الاستثنائية وأجراء انتخابات برلمانية تحت أشراف الأمم المتحدة، وإطلاق الحريات العامة كحرية التنظيم الحزبي والنقابي والاجتماعي ، وحرية الصحافة، وتطبيق شرعة حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة، وجعلها في صلب دستور عراقي جديد يجري سنه من قبل البرلمان المنتخب، وإلغاء الهيمنة المطلقة لحزب البعث على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد. www.Hamid-Alhamdany.com |