الكتاب: قصائد مختارة من النشيد العام (باللغتين الإسبانية والإنكليزية) المؤلف: بابلو نيرودا. ترجمة: J.C.R Green الناشر: The Phaethon Press مكان النشر: اسكتلندا. قراءة وترجمة: جاسم الولائي.
في إصداره الجديد اختار غرين عشراً من قصائد الأغنية العامة وضعها في كراس تحت عنوان مختارات، أعاد فيه للأذهان، كيف كان الناس يتداولون تلك القصائد بنسخ مركزة صغيرة الحجم. القصائد التي اختارها هي: 1- البهائم 2- أعالي ماتشو بيشو. 3- إنهم جاؤوا من الجزر 1493. 4- مكتشفو تشيلي. 5- نار الغضب. 6- ثقافة قاطع الطريق. 7- السمكة والرجل المأخوذ. 8- رابا نوا. 9- نبيذ. 10- القطيع.
في هذه المختارات من القصائد لم يكن نيرودا ينوي لعب دور سياسي، أو بشكل واضح أن يكتب ما اصطلح عليه بالشعر السياسي. والحق أن هذا المؤلف (بفتح اللام) أظهر نيرودا في بداية الأمر كشاعر طبيعي. الأغنية العامة أو النشيد العام، وفيما بعد النشيد الشعبي، هو نموذج من كل مستوى يحتوي عدداً من القدّاسات الشعرية، تُظهر الشاعر مرتبطاً برؤيا إنسانية كونية، تماماً كالصلة التي لا يمكن فصلها بين ميلتون ودانتي وبين لاهوتيتهما وبين وايتمان وهوغو وفكرة الديمقراطية والارتقاء. كذلك لا يمكن أن نتناول شعر نيرودا من دون أن نلمس شوك السياسة اللاسع، دون الرؤيا المحايدة للعدل والمساواة على الأرض. الأغنية العامة وبقية توصيفاتها وأدوارها فيما بعد تمثل أكثرية شعر نيرودا، وواحداً من السبل الطويلة التي أوصلته إلى جائزة نوبل للآداب عام 1971. ورغم الدور الذي شدّ الانتباه والذي لعبته هذه الأغنية، فإن نيرودا يراها أدنى مرتبة في معانيها وكلماتها قياساً بانبعاث فكرة احترام البشرية والعمل من أجلها في إسبانيا وأقطار أخرى. القضية بدأت في إسبانيا، حين كان نيرودا يمثل بلاده قنصلاً في برشلونة ثم مدريد. هناك وجد نفسه يعيش في مجتمع ناشط، بين عدد كبير من الشعراء. هذا الجو خلق رابطة قوية بينه وبين الناس. مثل هذه الأجواء تجر إلى السياسة ثم الانهماك في العمل السياسي، الأمر الذي كوّن صداقة مع لوركا ثم ألبرتي. لم يكن في تلك الصداقات ما يثير الريبة لدى السلطات، لكن اغتيال لوركا في الحرب الأهلية عام 1936، أفقد نيرودا القدرة على كتم انفعاله وغضبه وتعرضه لقتلة صديقه وتعريضه بهم. بحيث لم يراعِ أنه أصبح شاعراً سياسياً. إذ سرعان ما فقد مركزه كقنصل هناك. وبعد نشره الأغنية العامة عام 1950، أصبح نيرودا متورطاً أكثر فأكثر في وضوح شعره وأفكاره وآرائه وإشاراته التي ضمنها كتاباته، وكذلك نشاطه الاجتماعي الذي لا علاقة له بالشعر والأدب. أول ما قام به هو تغيير اسم مجموعته الجديدة (موضوع البحث) وإصدارها تحت عنوان (نشيد الشعب)، ثم نشر هذه المجموعة على شكل رسالة، سرعان ما تُرجمت إلى اللغة الإنكليزية، ثم أخذت تُنشر على شكل مختصرات توجز سرد أغاني النشيد العام، ثم تأخذ النسخ بالمُصغَر ما يمكنها ذلك، وتترك لدى الناس شعوراً بمدى قوة وفاعلية وترابط وانتظام الطبيعة والتاريخ، وهي أيضاً قصيدة ذات طاقة تأثيرية هائلة، متنوعة ومفصلة، وكلما اكتملت التفاصيل كلما كانت أكثر أهمية وأشدّ تأثيراً. إنها في الحقيقة ليست تعبيراً تجريدياً، إنما أفكار تتكاثر بقوة بتأثير من تراكم الخيال لدى نيرودا، كذلك على مستوى تصوير الإنسان المغمور، وتعطيل القدرة على الحياة فيه.
أشعثٌ وموزع مثل جذع مضمحل هو رمز لوضع الإنسان ما بين المد والجزر.
هذا النموذج الصغير من نتاج نيرودا يعطي الأمل في أن قارئ (النصّ الإنكليزي) سينظر إلى أبعد من النصّ المترجم، ويندفع اهتمامه إلى النص المكتوب بالإسبانية. الشكل الدرامي هنا يحتل صدارة القصيدة، وينجح النصّ الإنكليزي في تجسيد هذه الخاصية.
نموذج من النشيد العام:
بقايا الربيع المبعثرة على الطاولة نهر هائل من عالم بعيد عن أغنيتنا أنا نديم بسيط وأنت لم تأتِ لكي أكتب شيئاً عن حياتك وحين أغادر ستأتي لتأخذ بعض أشيائي زهور أو حبات كستناء أو جذور أصيلة لتقتسمها مع صديق. يمكن أن تغرق معي حين يجري الشراب على الطاولة يصبغها بالأرجوان نهر يتقدم متدفقاً إلى فمك من عناقيد قريبة كم من العزلة ستبدد أغانينا صديقي القديم.
للتذكير والتعريف:
• يُعدّ بابلو نيرودا أعظم شعراء أمريكا اللاتينية في القرن العشرين. • ولد عام 1904 في تشيلي. • مثل بلاده قنصلاً في راغون، جافا، وبرشلونه بين الأعوام 1927- 1945. • كان يكتب بغزارة وبشكل متواصل حتى وصف نتاجه وقتذاك برحيق النجوم، أي السائل الأثيري الذي كان القدماء يعتقدون أنه يفيض من النجوم ويؤثر في أفعال الناس وأقدارهم. • كانت الحرب الأهلية في إسبانيا هي أكثر ما أوحى إليه بالكتابة ودفعه إليها. • انضم نيرودا إلى الحزب الشيوعي التشيلي بعد الحرب العالمية الثانية . • مثّل بلاده ما بين عامي 1970-1973 سفيراً في باريس. • بعد أيام من الانقلاب الذي أطاح بحكومة أليندي، أعلن المجلس السياسي للانقلابيين وفاة نيرودا بسبب السكتة القلبية.
|