|
|
تعالوا نلعب.. |
|
|
|
|
تاريخ النشر
06/02/2008 06:00 AM
|
|
|
قد تكون لعبة طفولية.. وقد كبرنا على فسحة اللعب، ولكن لا ضير من التجربة، علّها تفصح عن مكنونات النفس البشرية وتشير الى بعض مكامن الخطل. دعوت نفراً من الأصدقاء –مثقفين وذوي اختصاص- لحفلة شاي، وأسررت لصديقتي المفضلة سر اللعبة التي يجهل هدفها المدعوون. ثبّتنا لاقطة لآلة تسجيل حساسة عند طرف المنضدة في مكان خفي، وحضر الضيوف وتبادلوا الأحاديث مرّها وحلوها، تطرقوا للأوضاع العامة والخاصة وتباروا في سرد الطرائف والنكات، وعرّجوا على ملفات الحالةالراهنة، و..قبل الانصراف سألتهم إن كان أحد منهم يتذكر ما قاله، أو ما قاله زميله بالحذافير.. فوجئوا بالسؤال، وأخذتهم العزّة بالنفس، قالوا : طبعا نذكر ما قلنا، هل وصلنا الى خرف الشيخوخة لننسى ما قلناه قبل ساعات ؟؟ ضحك بعضهم من سؤال بدا لهم ساذجا، ربما بليدا عندئذ، زودتهم بأوراق بيضاء وطلبت منهم تدوين ما دار في الجلسة شرط التدوين بالحذافير، ولمن يفلح بالمهمة جائزة بألف باوند. دهشوا من المبادرة غير المسبوقة وسارعوا للأوراق يسطرون عليها ما عنّ لهم تذكره، قلت أطمئنهم – كي لا يرتابوا – إنه اختبار للذاكرة ليس إلا، على الرغم من أن المسألة لا تعدو أن تكون لعبا في لعب، أو جداً في لعب، أو جداً في جد. قلت: لتكن مئة كلمة، خمسون، بضعة سطور. وأكدت لهم إن هذا جزء من بحث استقرائي أودّ تضمينه في كتابي المقبل. بعدما دون كلّ منهم ما تذكر وتسلمت الأوراق ... صارحتهم بهدف مشروعي النبيل، انتزعت آلة التسجيل المخبأة، وبدأنا نطابق بين ما هو مسجّل على الشريط من أحاديثهم وبين ما دوّنوه على الأوراق بخطوط أيديهم.. وكانت مفاجأة لم يتوقعها أحد.. اكتشفنا عجبا عجابا،إذ لم يتطابق أي كلام بالحذافير مما كتبوه مع أي حديث مما نطقوا به مسجلاً قبل ساعة واحدة من الزمان. لا الكلمات بالحذافير، لا الجُمل، حتى اللطائف والنكات لم تنج من التحريف زيادة أو نقصانا. لم أورد هذا الاستهلال الذي يبدو ساذجا تزجية لقتل وقت أو ملء فراغ، إنما للوصول إلى نتيجة قد تبدو مذهلة ودالّة والتي تفندُ آراء من يأخذون بما قيل ويقال وكأنه حجّة منزّلة لا يلحقها باطل ولا تشوبها شائبة، ولا سيما ان بعض تلك الأقاويل والمسلّمات قيلت قبل قرون مضت، ومعظمها قيل شفاها- وهنا الطامّة الكبرى-. إن عجز جمهرة من المتعلمين عن إيراد سطر واحد بالحذافير مما قيل في جلسة خاصة، يستدعي التشكيك بكل ما قيل شفاها.. عن فلان نقلا عن ابن فلان عن جدّ فلان عن حفيد علان : إنه قال كذا وكذا وكيت وكيت. ماذا تبقى من مقولات الحسين عليه السلام وهو يشهد أهله عرضة للقتل والسبي والعطش غير أن تكون مستوحاة من المحنة كتبها من بعده الكتبة والمتقوّلون؟ بل ماذا عن حكم الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة بعد ما زيدت وأنقصت وحذف منها أو أضيف اليها؟ بل ماذا عن الأحاديث النبوية التي لم تدوُن في حينها، والتي لحق بعضها الشبهات،ما استدعى فرز الصحيحة عن غيرها، والمتواترة عن سند مرموق وثقة، عن غير المتواترة وغير المسندة؟ ماذا يتبقى من الكتب والمخطوطات كبحار الأنوار للطوسي، والغيبة الكبرى للنعماني، والرجعة للإحسائي والعاملي والمجلسي والمودودي والكوراني، و.. ووو مئات الأسماء وهم يوردون نقلا شفاهيا عن فلان الذي نقل شفاها عن علان.. هاكم نموذجا واحدا من بين آلاف النماذج لمحمد بن يزيد الطبري في كتاب وسائل الشيعة الجزء التاسع: عن أبي جعفر عن محمد بن سنان عن صباح الأزرق عن محمد بن مسلم عن محمد بن يحيى عن ضريس، عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله ....... لن تهجع الفتنه الكبرى – المؤمل لها أن تمتد وتمتد لتحرق الأرض والحرث والنسل وتقضي على كل جميل ونبيل في المنطقة – إلا بالتصدّي للأباطيل، لا عن طريق الحرق والقتل والسبي والتهميش والإقصاء. بل بفضح الأضاليل وتسمية المضللين وسدنة تغييب الوعي، بمنح العاطلين فرص عمل، بتأمين مأوى وسقف آمن للخائفين، بإشباع الجياع، بزيادة المدارس والملاعب والمنتديات، بتأهيل المعلمين، برفع الغبن، بردّ الظلامات، بتحقيق العدالة، وقبل ذلك كله، باحترام آدمية الإنسان في بلداننا المنكوبة بيقينية النقل الشفاهي وسيادة فاقدي الوعي المتمترسين خلف الأضاليل.
|
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ سلام خياط
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| | |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|