لا شك في أن العراق يعتبر من أكثر الدول والبلدان الساعية إلى طلب العلم والدراسة مقارنة بالدول الأخرى ( على الصعيد العربي ) , حيث يمتاز بكثرة المدارس والكليات والجامعات أي كثرة المؤسسات التي تعنى بالعلم والدراسة بأنواعها من حيث كونها حكومية او أهلية او صباحية او مسائية وأيضا كثرة الأساتذة والتدريسيين والدكاترة الجامعيين وكثرة طلاب العلم أيضا في المستويات المختلفة من طلاب المدارس والكليات والجامعات .

وعلى الرغم من الظروف الأمني والاقتصادية والاجتماعية الصعبة ( والتي بدأت الآن تتحسن بعد ان مرت بمراحل متعبة للشعب العراقي ) الا ان الطالب العراقي لا يأبه لهذه الظروف فتجده يطلب العلم والدراسة بشغف كبير وتحت أي ظرف , أي عند ذهابك الى أي مدرسة او جامعة او أي مؤسسة علمية وفي أصعب الظروف الأمنية لا تجدها خالية من الطلبة كما هو المفروض طبقا للأوضاع الأمني المتردية وإنما تجد حياة طبيعية داخل هذه المدرسة او الجامعة بعيد عن أجواء الشارع ووضعه سواء كان جيدا أو سيء ومختلفة تماما ( وهذا ما تتميز به المؤسسات العلمية العراقية عن بقية الدول ) , فالدولة الأخرى تتأثر بالأوضاع الخارجية التي تحيط بهذه المؤسسات حتى تصل الحالة الى ان توقف الدوام وتأجل السنة الدراسية كما حدث في لبنان عند حربها الأهلية والصومال وأوغندا فهذه الدول قامت بتأجيل السنين الدراسية التي صادفت حروبها لامتناع طلاب المدارس والكليات من مزاولة دراستهم تحت ظروف الحرب فاضطرت الحكومة ان تؤجل الدراسة آنذاك الى اجل غير مسمى .

أما بالنسبة للأحداث الأخيرة التي حدثت في العراق فلم يكن لها ذاك التأثير القوي على السنة الدراسية بقدر ما كان لها تأثير على الشارع العراقي , فمقارنة الشارع العراقي وتأثره بالوضع الأمني يختلف عن تأثير الوضع الأمني على الجامعات والكليات فتأثيره على الأجواء الخارجية للكلية كان كبيرا جدا فمثلا أدى إلى إغلاق الكثير من الطرق والمناطق وأيضا إغلاق المحال التجارية ووصلت الحالة إلى أن تجد مناطق خالية من السكان في المقابل وكما قلت عند ذهابك إلى الجامعات تجد أن هناك دوام رسمي بالإضافة إلى الحصص والمحاضرات الدراسية المستمرة إلا إن هذه الكليات خالية من بعض الطلبة الذين لا يسكنون في بغداد ( هذا مثال على كليات بغداد ) أي الذين يرجعون إلى المحافظات في سكناهم بغض النظر عن هذه المحافظات من حيث كانت جنوبية أو شمالية أو غربية ( ولو قد تجد طلاب المحافظات الجنوبية وخصوصا مدينة الناصرية والتي تزدهر بطلبتها وطلابها وكثر مثقفيها ) , أما طلبة بغداد فهم موجودون في كلياتهم رغم كل الظروف .

على الرغم من الاعتداءات الأخيرة التي حدثت ومنها انفجار في منطقة زيونة في بغداد قبل أيام والتي راح ضحيتها حوالي 32 مواطن في عزاء وقبلها أيضا اعتداءات مدينة العمارة وقبلها الاعتداءات على مصفى الدورة إلا إن الوضع الأمني في العراق عموما وبغداد خصوصا في حالة تحسن كبير وهو الذي لا يستطيع احد نكرانه من كافة الطوائف سواء كان مع الحكومة او ضدها وهذا أيضا ما يتمناه كل عراقي شريف غيور على هذا البلد الجريح والذي يصفه البعض بأنه أسد مجروح ينتظر شفاءه ليعود على عرش الغابة التي تربع عليها من لا يسحقها .

إن تحسن الأوضاع في العراق وخصوصا الأمنية هي ليست جمله أتيت بها من قلبي أو من إحساسي فقط وإنما هذا الإحساس معروف اليوم لدى الشارع العراقي عند كل العراقيين , حيث إن من السهل أن تشعر بهذا التغير في أول منطقة تستطيع الوصول لها في بغداد .

بالإضافة إلى ذلك تستطيع أن تلمس تغيرات كثيرة في الشارع العراقي منها والاهم هي عودة بعض المهجرين إلى سكناهم الأصلية في بعض المناطق منها منطقة الدورة حيث شهدت عودة بعض العوائل الشيعية إلى بيوتهم وأيضا منطقة الشعلة حيث شهدت عودة الكثير من العوائل السنية إلى مناطق سكناهم القديمة و قلت السيارات المفخخة والاغتيالات والتفجيرات وسيطرة أهالي الصحوة على المناطق التي كانت تطلق عليها بالخطوة والساخنة منها منطقة الغزالية والعامرية وحي العدل والخضراء , والازدحامات المرورية في الشوارع بأوقات كانت قبل مدة تفتقر إلى سيارة إلى اثنين , وأيضا المحال التجارية ورجوعها إلى العمل وفي مناطق كانت مقفلة ومعدمة منها الاعظمية وغيرها , والمهم من هذا التحسن الأمني ما هو يؤثر على الصعيد العلمي فهو عودة الطلاب إلى كلياتهم ومدارسهم والتزامهم بالدوام الرسمي وبالحضور يوميا إلى أماكن دراستهم دون أي خوف او تهديد , حيث قبل أسبوعين ذهبت إلى كلية الإعلام في جامعة بغداد وبصراحة تفاجأت في تلك اللحظة لأنني رأيت طلاب من مختلف المناطق والمحافظات , فرأيت طلاب من مدينة الصدر ومن مدينة الاعظمية ورأيت طلاب من مدينة الفلوجة والرمادي والكوت والناصرية وكركوك ( والله على ما اقول شهيد ) وأحسست في تلك اللحظة بان الوضع الأمني في تحسن كبير .

ان كثرة الطلاب وتواجدهم في الكلية يعطي روح الى الكلية أولا بالإضافة إلى الرونق الجميل الذي يضفي عليها ويعطي أيضا الروح التدريسية إلى الدكاترة والأساتذة الجامعيين ثانيا والدافع الى ممارسة عملهم بكل حيوية ونشاط بعيدا عن العجز إلي يصبه عند عدم وجود الطلاب , والى الطالب نفسه ثالثا حيث يدفعه الى الالتزام بالدوام وخصوصا عندما يكونون الطلاب وكما هو طبيعي من مختلف المحافظات , فالمعروف ان جامعات بغداد تحتضن طلاب من كافة مدن العراق الشمالية والجنوبية وحتى الغربية , فعندما يرى ابن الاعظمية زميله من الرمادي مثلا في الكلية والتي تقع في بغداد يمارس دوامه يوميا يدفعه إلى الدوام كونه من بغداد نفسها ويرى طلاب من غير بغداد يأتون إلى الكلية .

لعل من أهم الدلائل التي تؤكد إن الشعب العراقي شعب لا يفرق بين شيعي وسني وكردي وعربي هو أن تجد كل طوائف الشعب العراقي في المدارس والمؤسسات العلمية , وان هذه المؤسسات لا تفرق بين الأعراق والطوائف أي تستقبل كل أنواع الطلبة العراقيين ومن كل فئاتهم وقومياتهم .